لم يكن د. لوكا بيونق القيادي بالحركة الشعبية وزير رئاسة مجلس الوزراء موفقاً في حديثه الأخير عن قضية الوحدة والإنفصال ومفهوم الاستفتاء نفسه. فالرجل على الرغم من قربه من مركز صناعة القرار وإدراكه للعديد من الأمور التي ربما لا تتوفر لغيره من قادة الحركة، الا أنه لم يكن في مستوى ما هو مطلوب من قيادي مثله. ولعل أولى سقطات الرجل قوله (ان أمر الحدود بين الشمال والجنوب يجب علينا ألا نجعل منها عقبة تحول دون قيام الإستفتاء)، ومضى د. لوكا في مفارقة سياسية وقانونية غير منتظرة ليقول (الربط بين ترسيم الحدود والاستفتاء لم يحدده القانون)!! والمفارقة هنا أن د. لوكا شدّد في ذات حديثه هذا على ضرورة قيام الإستفتاء في موعده كإستحقاق مهم من إستحقاقات الاتفاقية، ولكنه تجاهل أن الإستفتاء – لكي يتم قانوناً وسياسياً – لابد له من اقليم حدوده معروفة وواضحة والشئ الغريب هنا أن د. لوكا نفسه – وقبل سنوات – كان من غلاة المتشددين بشأن ترسيم الحدود وبذل الرجل ورفيقه دينق الور جهود كبيرة من خلال السعي للتحكيم الدولي في لاهاي بشأن قضية أبيي وترسيم الحدود. والأغرب من ذلك أن الرجل يعلم أن واحدة من أهم بنود عملية السلام، ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء لأن هناك قضايا تتعلّق بقبائل مشتركة وهناك نفط وهناك قضايا تتصل بإدارة كل إقليم وفقاً للدستور والنظام الفيدرالي السائد، فكيف تحول الآن كل ذلك الى (شئ غير ضروري)؟ وكيف أصبح كل ذلك بعيداً عن القانون؟ هل تريد الحركة الشعبية بهذه الخطوة أن تعمل على ترحيل قضية الحدود للمستقبل لتصبح جرحاً مزمناً نازفاً يعيق تطور الشطرين؟ لقد كان د. لوكان – وفي مشهد مثير للريبة – شديد الاهتمام فقط بقيام الاستفتاء في مواعيده مع أن احداً حتى الآن لم يطالب بتأجيله أو يطلب النظر في تأجيله لا الحزب الوطني ولا أي جهة أخرى، ومع أن الحركة رضيت من قبل تأجيل الاستحقاق الانتخابي بل كانت توّاقة لتأجيله الى ما بعد الاستفتاء. كما يثور التساؤل هنا بشدة، ما العلة في تأجيل الاستفتاء – على فرض الحاجة الى تأجيله؟ هل التأجيل يؤثر على قناعة الجنوبيين في اختيارهم؟ واذا افترضنا أنه يؤثر فما هو الأثر السالب لهذا التأثير خاصة وأن د. لوكا قال في ذات السياق أن حركته ليست من يقرر الوحدة أو الانفصال وإنما شعب الجنوب وحده؟! وأما حديث د. لوكا عن نزاهة الاستفتاء ضارباً المثل بالانتخابات فإن سخريات القدر وحدها هي التي تجعل قيادة الحركة تثير هذا الأمر لأنها هي المعنية به فكلنا نعلم ما جرى في الجنوب بما لا يستطيع أحد أن يصفه بأنه عملية انتخابية! وأخيراً فقد حرص د. لوكا على ارسال تهديد صريح (بالحرب) اذا لم تتم معالجة استفتاء أبيي وترسيم الحدود بالتزامن مع الاستفتاء واضعاً قضية ابيي بأنها نقطة سوداء في تاريخنا على حد تعبيره!! ولعمري هذا الحديث الغريب أعطى صورة شائهة لتوجهات الحركة التي لا تملك قوة تعادل ما تهدد به، وفي الوقت نفسه لا تملك رؤية سياسية موضوعية، وفي ذات الوقت تظن أن الآخرين غافلين عن ما وراء ما تقوله ودلالاته!!