في الوقت الذي قطعت فيه مفوضية الاستفتاء في السودان بصعوبة إجراء عملية الاستفتاء بالطرق والقواعد القانونية المتعارف عليها في الوقت الضيق المتاح الآن ولم تقل المفوضية – أنها تطلب تأجيل الاستفتاء رسمياً بل انها فقط وكما قال رئيسها محمد ابراهيم خليل طلبت من شريكي الحكم الوطني والحركة امعان النظر في الظروف والمعطيات المحيطة بعمل المفوضية خاصة وأن المطلوب من المفوضية القيام باستفتاء مقبول شفاف ونزيه. وضرب رئيس المفوضية مثلاً بنصوص القانون ونصوص اتفاقية السلام والجداول المحددة وقال ان مفوضيته حتى الآن ليس لها مقر، كما أن أمامها عملية تسجيل من يحق لهم الاستفتاء والادلاء بالصوت، وهذه تستلزم سلسلة مطولة من الاجراءات، في هذا الوقت قالت مصادر بالحزب الوطني الحاكم، أن قيادة الحزب لم تعد تأبه لتهديدات أمين عام الحركة الشعبية باقان أموم والتي حرص على ارسالها بانتظام هذه الايام لمجرد ظهور بوادر لتأجيل الاستفتاء وقالت المصادر – التي فضلت حجب اسمها الآن – أن أموم – بسذاجة شديدة – يهددنا بأشياْ (غامضة)، وهذه الأشياء الغامضة أقصاها الحرب، ولم يقل أحد في الشمال أنه اذا فرضت علينا حرباً من أي جهة فإننا سوف نهرب ونجري تاركين رجولتنا لتذروها الرياح! وسخر مصدر بمفوضية الاستفتاء من تهديدات أموم، وقال ان الرجل هو الذي كان يتعين عليه الاجابة عن سؤال تأخير انشاء المفوضية وقيامها بعملها، فالذي يحرص على تقرير المصير ويحرص على الاستفتاء ويحرص على الانفصال كان قميناً به أن يحرص على قوانين الاستفتاء وانشاء مفوضية في حينها. وهكذا فإن من المؤكد أن معركة تأجيل الاستفتاء خاسرة في كفة الحركة الشعبية المتأرجحة، فالمحك في هذه الحالة هو الامر الواقع والحقائق على الارض وليس أي شئ آخر، والشئ العجيب أن الحركة الشعبية دائماً تجلس جلوس الضيف، وتنتظر من شريكها مع أنها شريكة له في المسؤولية والواجبات أن يقوم لها بكل شئ! فقد انتظرت الحركة الشعبية – بسوء نية أو بغباء – كل هذه السنوات لتأتي وتطالب قيام استفتاء عن طريق (الكلفتة) وعن أي طريق، المهم أن يتم ويتحقق لها ما تريد. لم تبذل الحركة – رغم وجودها في السلطة – جهوداً قبل سنوات لإنشاء مفوضية الاستفتاء ولم يكن هناك من شئ او حائل يحول بينها وبين أن تفعل. لم تبذل الحركة الشعبية جهوداً – رغم وجودها في السلطة – لضمان حصول مفوضية الاستفتاء على كافة معيناتها، وكان أمراً مستغرباً للغاية أن الحركة قررت أن تكون مفوضية الاستفتاء الخاصة بالجنوب كلها من مواطنين جنوبين وليس من بينهم شمالي واحد! وهذا في الواقع مسلك ضار بمصداقية المفوضية في الجنوب من جهة وضار بمصداقية المفوضية الفرعية هناك وضار بحكومة الجنوب وربما قاد ذلك فيما بعد للطعن في مصداقية الاستفتاء نفسه طالما أن الجهة التي أشرفت عليه في الجنوب ليست محايدة أو غير قومية وفقاً لما عليه الحال في مفوضية الانتخابات السابقة ومفوضية الاستفتاء الحالية. وعلى كل فإن أزمة الحركة الشعبية هي أزمة مع نفسها وليست أزمة مع المفوضية ولا المؤتمر الوطني فالذي سيحدث أن ما تقرره المفوضية هو الذي يتعين إمضاؤه مهما صرخت الحركة وملأت الدنيا ضجيجاً!!