نجحت الجهود المصرية والعربية والافريقية مؤخرا في إحياء الدعوة الي عقد القمة الثانية بين دول الجامعة العربية والاتحاد الافريقي بعد غياب طال33 عاما أي منذ انعقاد القمة الأولي بالقاهرة عام1977. ومن المقرر عقد القمة في مدينة سرت الليبية في العاشر من اكتوبر المقبل, ولقد اتيح لي المتابعة اليومية لأعمال قمة القاهرة فيما بين7 و9مارس1977 من داخل أروقة الجامعة العربية وأتذكر جيدا أن نتائج قمة1977 لم تكن حصاد قرارات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية لتعزيز علاقات الدول العربية والافريقية, بقدر ما كان حصاد قمة1977 فكرا سياسيا مشتركا تبلور في كلمات الملوك والرؤساء من ناحية وفي مناقشات اللجان المختلفة بمشاركة الوزراء المتخصصين ورجال الدبلومسية واعلام الفكر السياسي. ومن هذا المنطلق لعبت أعمال قمة1977 دورا ملموسا في تنشيط الفكر السياسي العربي والافريقي المشترك جنبا الي جنب ارساء مشروع للتكامل العربي الافريقي أشبه ما يكون بمنظمة عليا تجمع الدول العربية والافريقية من خلال هيكل تنظيمي متكامل ومؤتمرات رئاسية ووزارية وأجهزة مشتركة وهذا ما يعبر عن نجاح قمة القاهرة1977 في استحداث أولي ارهاصات إرادة عربية افريقية للعمل الجماعي دفعت اتجاهات الفكر السياسي العربي الافريقي لاستحداث حلول للقضايا الثقافية المشتركة من منطلق انه ليس هناك مواجهة أو تناقض بين العروبة والافريقانية وان لقاءهما في بوتقة واحدة ينسجم مع ايقاع العصر ومتطلباته بهدف حسم كل نقاط الخلافات التي مازالت عالقة داخل بعض الدول أو فيما بين عدد من الدول في سياق الزعم بالخلاف بين هوية كل من العروبة والافريقانية. ومن هذا المنطلق عملت قمة القاهرة1977 من خلال أوراقها ومناقشاتها وتوصياتها وقراراتها علي حسم هذه القضايا الشائكة التي أثارها اعداء كل من العروبة والافريقانية بالزعم باختلاف هوية كل منهما من حيث النشأة, وظل الرد العربي والافريقي علي مثل تلك الادعاءات غائبا سنوات طويلة وتابعنا هذا سواء علي مستوي القارة ككل أو علي مستوي مناطق أو دول محددة وعلي سبيل المثال ترددت ادعاءات منذ استقلال السودان في بداية الخمسينيات ولاتزال تلك الادعاءات تجد من يعمل لحسابها سواء في جنوب السودان أو غيره ويكفي الاشارة الي ما يجري علي ارض دارفور باعتبارها نموذجا من نماذج التزاوج التاريخي بين العروبة والافريقانية, ولكن رائحة النفط علي أرض دارفور قد زكمت أنوف قوي دولية كبري وسكبت الغاز علي الخلاف الداخلي لتزيد النار اشتعالا وتطالب بتدويل القضية بهدف التفتيت والتفكيك تحت مسمي مخطط الفوضي البناءة أو غيره من المخططات. التي يجري تنفيذها علي مستوي دول عربية وافريقية دون مواجهة جماعية عربية وافريقية. ولعل التحضيرات للقمة العربية الافريقية في سرت قد استحدثت الجديد من الفعاليات والمنتديات التي تم الإعداد المشترك لها من قبل الدولة المضيفة( الجماهيرية الليبية) ومفوضية الاتحاد الافريقي ويكفي الاشارة الي الاتفاق علي موضوع القمة تحت عنوان( نحو شراكة استراتيجية عربية افريقية) ومن اللافت للنظر التوزيع المبكر لمشروع تلك الوثيقة غير المسبوقة علي مختلف الدول الأعضاء( عرب وأفارقة) في المؤتمر لإبداء ملاحظاتهم عليها, هذا إلي جانب تقديم تقرير بفعل مشترك من الجانبين عن مسار التعاون العربي منذ انعقاد القمة الأولي عام1977 متضمنا التحديات والمعوقات التي واجهت مسار التعاون. وفي سياق التحضيرات للقمة ثمة وثيقة تحظي باهتمامات الجامعة العربية وهي برنامج العمل المقترح للتعاون العربي الافريقي2011 2015 ويعطي البرنامج أولوية خاصة لقضية التجارة والاستثمار وموضوع الزراعة والأمن الغذائي بين المنطقتين ليشكلا المحورين الأساسيين في برنامج العمل. ومما يؤكد اهمية العمل العربي الافريقي المتكامل والمتواصل سواء قبل القمة أو بعدها مبادرة تفعيل آليات التعاون الناتجة بين المنظمتين لتتمكن من تنفيذ الاستراتيجية وخطة العمل اللتين سيتم اعتمادهما من القمة. نحن إذن أمام مشروع قمة عربية افريقية غير مسبوق بهدف وضع العمل المشترك تحت عنوان الشراكة الاستراتيجية وسيلة وهدفا, وهذا العنوان يذكرنا بالتجربة الناجحة التي استحدثها محاضر محمد في بلاده تحت عنوان( الشراكة الذكية) وكان يعني بهذا ان المقصود ليس تحقيق المساواة المطلقة بين الشركاء في الأرباح وإنما التوزيع الأكثر عدلا للنتائج والمكاسب والعوائد.. الخ. فالتشارك العادل يمكن ان يتحقق بين أكفاء ذوي أنصبة عادلة, وأن الشراكة الذكية يمكن ان تقوم بين كيانات كثيرة, فإلي جانب الحكومة رجال الأعمال والقطاع الخاص داخل الدولة أو بين الدول الموجودة في منطقة ما ويمكن أن تكون هناك شراكات ذكية بين الأفراد وبين الشركات أو بين الدول النامية أو دول الشمال والجنوب أو بين المدن المتاحة.. والكثير الكثير غير ذلك. وما أحوجنا كدول وشعوب عربية وافريقية الي تبني الشراكة الاستراتيجية فكرا وممارسة علي ارض الواقع. المصدر: الاهرام 19/8/2010