لم يعد لدي أى متابع للشأن الجنوبي من شك ان أمين عام الحركة الشعبية باقان أموم و الذى يتولي فى ذات الوقت منصب وزير السلام فى حكومة الجنوب رجل بلا مبادئ سياسية على الإطلاق . ذلك ان أموم الآن - ودوناً عن عشرات قادة الحركة- هو الأكثر سعياً لتحقيق و انجاز فصل جنوب السودان و أنشاء دولة لا يعرف حتى هو نفسه ما هو مصيرها والى أين تتجه؟ والى عهد قريب كان أموم ذى الخلفية الماركسية و الذى أكمل جزء من دراساته فى كوبا وتلقي تدريبات عسكرية فيها يتشبع بالنظرية الماركسية ،ويتطلع الى دولة سودانية واحدة أساسها المواطنة وها هي الدولة السودانية قائمة الآن أساسها المواطنة سواء كان ذلك منصوصاً عليه فى اتفاقية السلام او فى دستور السودان الانتقالي لسنة2005 ،وكان الرجل - بحسب هذه الخلفية - مخلصاً لمبادئ زعيمه الراحل قرنق حتى حاز صفة (أحد أولاد قرنق) فى اشارة الى تقمصه لشخصية قرنق ومبادئه الداعية لسودان موحد. أموم الآن لم يكتف بخلع ثياب الشيوعية وإلقائها فى سلة النفايات فحسب ، ولكنه وصل لدرجة الالتصاق بالسياسة الأمريكية و التعامل مع واشنطن كمنفذ أصيل لتوجيهاتها ، أى انه تخلي عن مبادئه الماركسية لصالح مبادئ واشنطن التى لا تتجاوز فعل أى شئ لصالح مصالحها وحدها . ويكشف هذا التحول عن (ضعف هائل) فى شخصية الرجل للدرجة التى جعلت بعض رفقائه فى قيادة الحركة يتساءلون عن حقيقة ما يفعله ،و هل هو قانع به و مدرك لمآلاته أم لا ؟ ويقول لنا مصدر قيادي معروف لم يشأ الكشف عن اسمه وصفته إن أموم (سقط فى نظره السياسي) كونه تبني نظرية انفصال الجنوب على حين غرة ،ودون أن تكون احدي أهداف الحركة ولو كانت أهدافها فقط كان من السهل التفاوض حول ذلك فى نيفاشا 2005 و منثم تجنب كل هذه التعقيدات المطولة.و حين سألنا القيادي الحركي عن ما يراه سبباً لهذا التحول ، قال انه لا يدري على وجه التحديد و لكنه لا يستبعد فى الوقت نفسه ان يكون اموم قد وضع صيداً سهلاً لاستخبارات غربية لسبب أو آخر. قيادي آخر بالجيش الشعبي زامل أموم وينتمي الى ذات قبيلة الشلك قال انه يعتقد ان أموم بصدد خسران الجميع ، فقبيلته تعرضت و لا تزال تتعرض لمهانة من الحركة الشعبية ومستهدفة من الجيش الشعبي الذى يقوده قادة من قبيلة الدينكا ،ومن جهة ثانية فهو خسر رفاقه فى الحزب الشيوعي كونه (انقلب) عليهم بدعوته المتطرفة للإنفصال. و فى أروقة الحزبي الشيوعي يقول احد قادته فى الشمال- وهو قيادي شاب أن أموم جسد خصية الشيوعي الذى يبحث عن (حلول سهلة) فقد كان المطلوب ان يسعي الى دولة موحدة بأسس جديدة حتى آخر لحظة لأن التراجع عن هذا المبدأ يعني ببساطة اخفاق الحركة ومن ثم اخفاق معتنقي الماركسية فى الحركة فى التغلب على المصاعب التى واجهوها طوال فترة الانتقال ،و السياسي الذى(يستسلم) بهذه السرعة هو ليس بسياسي ،و يصعب الاعتماد عليه ويراهن هذا القيادي على ان اموم لن يستطيع ان يصبح (رقماً) فى الدولة الجنوبية المرتقبة لأنه ببساطة لا يملك الوزن القبلي او السياسي الذى يمنحه مكانة فيها !