ببساطة شديدة لأن جزء كبير من أوراق اللعبة تركتها الحركة الشعبية ومنذ سنوات فى أيدي واشنطن ، لأن واشنطن - من جانبها- لم تنس و لا ينبغي لها ان تنسي ان الأساس الآيدلوجي الذى قامت عليه الحركة كان أساساً ماركسياً ، حيث يشير المنفستو الشهير الصادر عن الحركة فى العام 1983 عام تأسيسها الى انها تتبني النظرية الماركسية و اتخذت يومها من أديس ابابا عاصمة اثيوبيا التى كان يحكمها المقدم مانقستو هايلي ماريام الذى أطيح به فى العام 1991 ، مقراً لها . الخلفية الآيدلوجية للحركة التى اجتذبت كل من عرمان وباقان أموم و بعض القادة الذين لا يزالون مرتبطين بهذه الآيدلوجية ، تتصادم - بداهة- مع واشنطن ولهذا فان لا شئ يحلو لواشنطن قدر ما يحلو لها ان تمرغ أنف هؤلاء القادة و توجههم أني شاءت ، و هو بالضبط ما ظل يحدث ، إذ ان كل من عرمان وأموم معتمدين على ذكاءهم الخاص ظلوا يراهنون على العامل الامريكي باعتباره (عاملاً حاسماً) و باعتباره العدو التقليدي للمؤتمر الوطني بخلفيته الاسلامية ،وهذا ما كان يجعل هؤلاء يحسبون حساباتهم بأن واشنطن لا محالة سوف تدعم سيطرتهم على الاوضاع فى السودان و تعمل في الوقت نفسه على إقصاء المؤتمر الوطني أو إخراجه تماماً من الملعب ،و قد رأينا كيف ظل هؤلاء القادة يسافرون الى واشنطن عشرات المرات و يعقدون الاجتماعات ويضعون الخطط ،و كان ذروة الحلم الكبير الذى راودهم بشدة على عهد الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن، و كان كل ما يطبونه (و يعتبرونه سهل المنال) أن يتم تمكينهم من حكم السودان كله بضربة واحدة ،سواء تحت مزاعم توحيده والمحافظة على وحدته أو المحافظة على مصالح الولاياتالمتحدة ، خاصة فيما يخص النفط اوحتى عبر تحالف صوري بين مع القوى السياسية الشمالية مثل احزاب الامة و الاتحادي والشيوعي والشعبي . لقد كان هذا الحلم هو السيطرة على قادة الحركة و نفسه ما جلعهم يتجاهلون العملية الانتخابية و يستهتروا بها غاية الاستهتار ،و نسوا ان بداخل حركتهم ، بما فى ذلك زعيمها من لديهم رؤي مختلفة ولديهم تطلعات باتجاه الانفصال ،كما نسوا ان واشنطن كانت تحسب حساب مصالحها طوال الفترة الانتقالية المنقضية وكانت تحاول حساب الربح و الخسارة فى حالتي الوحدة و الانفصال وقد تبين لها ان هؤلاء القادة بأدائهم المخجل فى الفترة الماضية فى الجنوب لا يصلحوا للإعتماد عليهم فى حكم الشمال ، كما أنهم لا يتمتعون بالقدر الكافي من التأييد الشعبي ،واخفقوا فى تسويق أنفسهم حتى لمواطنيهم فى الجنوب . الحركة من جابنها لم تكن واعية بهذه الحقائق فقد فوجئت بالكم الهائل من المرشحين المستقلين (حوالي359) مرشحاً و فوجئت بمن ينازع زعيمها على حكومة الجنوب (د. لام أكول) ، بل صعقت حين وجدت انها سوف تخسر حتى نسبتها الحالية من السلطة المقررة بموجب اتفاق نيفاشا 2005 إذا خاضت الانتخابات بحالتها المزرية هذه . و من هنا تبين للحركة ان الخيارات ضاقت عليها و لا مجال للمناورات او اللعب الطويل ،و لابد من تضحيات و عقد صفقات او تفاهمات ، وقد فات عليها ان هذا الوضع ثمنه غالٍ ، فهو بمثابة إعتلال محتوم لجسم الحركة و ربما قاد الى البتر ،و هو ماهي بصدده الآن نتيجة تلاعبها بخياراتها السياسية على مدي خمسة اعوام غاليات يستحيل استعادتها !