أثار موضوع الجنسية التى يجري النقاش حولها بين الشريكين ضمن أجندة موضوعات ما بعد الاستفتاء جدلاً سياسياً و قانونياً وسعاً و اعتبره المراقبون من اخطر القضايا و أكثرها حساسية لارتباطها الوثيق بقواعد القانون الدولي و الإنساني ربما يكون دافعهم لذلك النماذج الانفصالية و تجاربها المخيفة. بينما يري مراقبون آخرون ان الجنسية تستوجب إعمالاً للعقل و اخضاع القضية لدراسة (متخصصة) داخل لجان الشريكين (المؤتمر و الحركة) فالمؤتمر الوطني يبدو انه يعي جيداً ان الجنسية من ضمن الكروت الرابحة التى يمكن ان تطوع له (الغريب) المستعصي من الحل ،و بما انه (الوطني) يتحرك فى متسع وسيع سيما فى ما يتعلق بالجنسية مما جعل ذلك يتيح له هامشاً لمناورة فى مساجلات قد تبدو أكثر صعوبة وتعقيداً ،و ربما يذهب البعض لتحديد ذلك بصورة أكثر دقة فيما يرتبط ب(الديون) و الأمن و الحدود و ابيي ، لكن البعض يستدل بصحة تلك القراءات بتصريحات منسوبة لقيادات بارزة باللجنة السياسية المشتركة للشريكين ، تأكيدهم رفض الجنسية المزدوجة و بما ان تلك الأصوات قد تعالت بالرفض فيتضح ان المؤتمر الوطني هو الرافض داخل اللجنة ،ومن خلال ذلك الحديث و الموقف المعلن تارة و المستتر تارة اخري يبدو ان الوطني يسعي لجرجرة الحركة الشعبية للدخول فى ملعب المساومات ،و ربما يهدف بذلك للضغط بغرض تحقيق مكاسب متبادلة على المستوي السياسي ، اما الحركة كطرف ثان فى قضية التفاوض بشأن الملفات الخاصة بتحديد مستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب و مستقبل و مصير الجنسية فيبدو انها تسعي لتمرير أجندتها من خلال إصرارها على الإقرار بمنح الجنسية المزدوجة حال وقوع الانفصال ،ومن الواضح ان الحركة ترنو الى الإصرار لتلافي جملة من التعقدات التى يمكن ان يفرزها خيار الانفصال ،و ربما الأوضاع الوخيمة التى ستخرج حتماً عن سيطرة الحكومة الجديدة فى الجنوب حال قرر ابناء الاقليم الانفصال و العودة الى (الوطن الجديد) ،و ربما يقول البعض ان الحكومة الجديدة فى الجنوب و بعد الانفصال لا تستطيع الوفاء بالاحتياجات الانسانية و حقوق المواطنين فى الأمن و الحياة الكريمة مما يجعلها لا تمانع فى (مقايضة) موضع الجنسية بموضوعات اخري معقدة ينشغل شريكها الوطني و يجتهد فى ان يقارب بين متناقضاتها للخروج بأقل خسائر ،ويعزو البعض الضعف المرتجي فى أداء حكومة الجنوب عقب وقوع الانفصال لتردي الأوضاع الإنسانية و الاقتصادية و تفشي الفساد والقبلية و انهيار الأوضاع الأمنية. نهاية ايجابية ربما يقول البعض ان دخول الجنسية الى طاولة المساومات بين الشريكين و الضغط عبرها لتحقيق تسويات يصعب خيارات الاتفاق الآمن بينهما ،و ربما يكون ذلك ما يجعل البعض يذهب فى اتجاه التحذير سيما أهل القانون سيما حال وقوع الانفصال ،و ربما فى مخيلتهم صورة مطابقة للاوضاع المحتملة و ربطها بتجارب انفصالية اخري . عدد كبير من المراكز البحثية و من بينها المهتمة بقضايا (المواطنة و حقوق الانسان) سارعت فى رسم نهايات ايجابية وسيناريوهات محتملة للأوضاع فى المستقبل ،ومن بين تلك المراكز (مركز الأخدود الافريقي العظيم) و لذى نظم مؤتمراً بجامعة جوبا رعته حكومة الجنوب فى العشرين من يوليو الماضي حول الترتيبات ما بعد الانفصال ،و رغم ان النقاش والأوراق المقدمة تطرقت لعدد من الموضوعات الا ان الجنسية كانت احد أهم محاور النقاش . أستاذ القانون الدولي بجامعة الخرطوم و الباحث بمركز الأخدود الافريقي نصر الدين حسين دعا لضرورة التفريق بين الهوية و مواطنة الانسان و اعتبر خلال ورقته (قواعد المواطنة و ترتيبات ما بعد الانفصال) والتى قدمها بالمؤتمر الذى عقد بجوبا اعتبر ان الهوية من الممكن ان يتقاسمها اشخاص ينتمون الى دول عديدة بينما لا يتقاسم الجنسية الا الذين ينتمون الى دولة واحدة، و يري حسين ان مفهوم الدولة الحديثة الذي قرن بين التمتع بالحقوق والحريات والخضوع الى واجبات محددة بالعضوية فى دولة بعينها يعني ان تلك الحقوق تؤهل اى من الجنسين للحصول على حقوق وحريات معينة ، يؤكد على ان خلاف الناس على ذلك المبدأ كما اختلافهم ايضاً حول المعايير المعتمدة لتقرير ما اذا كان شخص ما ينتمي او منتمي الى دولة معينة. ويعزو نصر الدين ذلك الخلاف لطبيعة القانون الدولي قبل ظهور المبادئ و المعايير الدولية لحقوق الانسان ،و يقول ان القانون الدولي اعتاد على ترك تلك المسألة للدساتير الوطنية و قال انها اضحت تمثل انتهاكاً سيما حين يستخدمها (الأقوياء) فى إضعاف الخصوم او لتحقيق أهداف سياسية. تبعات قانونية ويستند نصر الدين الى القانون الدولي العام فى ما يتعلق بقضية السودان اذ يعتبر ان اى تغيير فى السيادة على الارض او الاقليم تنطوي على العديد من التبعات القانونية ، مما يجعل جنسية الأشخاص المتأثرين بتغيير السيادة احدي المسائل المتطلبة للحلول بما يراعي احترام الكرامة الانسانية ،وبرغم المبدأ القانوني العام الذي يقر ان رعايا الدولة (السلف) الذين يقيمون على أرضها يفقدون تلقائياً جنسياتهم القديمة ويحصلون على جنسية الدولة (الخلف) . مراقبون تصاعدت مخاوفهم من تعرض الشماليين فى الجنوب و الجنوبيين فىا لشمال لعنف و عنف مضاد حال وقوع الانفصال ،ور بما يكون الدافع تلك المخاوف الأليمة التى خلفتها نماذج أدت للانفصال عبر تقرير المصير مما ادي لتعريض آلاف المدنيين لأعمال عنف وانتقام مثلت انتهاكاً صريحاً لحقوق الانسان ،فهل يعي الشريكان مآلات ذلك الاحتمال أم أن التكتيك السياسي ربما يستدعي اعادة انتاج تلك الأزمات فى حالة السودان؟ نقلا عن السوداني 7/9/2010