تحليل سياسي ليس سراً- و إن كان الأمر مثيراً للقلق حقاً – ان تتكشف بوضوح فى هذا التوقيت بالذات ، بأبعاد شديدة الوضوح لما يحيكه البعض من خطط و مؤامرات لتقسيم السودان لدويلات سعياً وراء إضعافه لأقصي حد . فقد أماط أستاذة جامعيون ألمان مؤخراً اللثام عن الخطط الصهيونية المعدة بإحكام لتقسيم السودان بعدما تقاربت خطي استفتاء الجنوب و أصبح بالنسبة للمخططين - والحركة الشعبية نفسها - أمراً مفروغا منه ،و قد قال زعيم الحركة الشعبية أمام لجنة الكونغرس مؤخراً ان الدولة الجنوبية المرتقبة لا تعدو الآن ان تكون (مسألة وقت فقط) ! و بوسعنا الآن – بالنظر لما أورده الأستاذة الألمان ،و ما أوضحه حزب الله اللبناني الشديد الإلمام بطبيعة خطط إسرائيل – ان نتبيَّن بالفعل ان السودان بات قاب قوسين من اللعبة القذرة الكبري ، ذلك ان أكثر ما يدلل على هذه الخطط ، أنه وحين اقتراب التوصل لاتفاق سلام نيفاشا لإنهاء أطول حرب أهلية فى أفريقيا فى العام 2004 فان الأزمة فى دارفور إزدادت اشتعالاً و زاد أوراها حتى اذا ما تم التوقيع على ا تفاق نيفاشا فى يناير 2005 كانت دارفور قد أصبحت موقداً نارياً مشتعلاً و لم يتذوق السودان حينها - ولو للحظات- مذاق السلام و الاستقرار بإنهاء الحرب فى الجنوب و دخوله الى مرحلة استقرار مفصلية غير مسبوقة ،و كان من المؤكد ان الخطة كانت معدة ، بحيث يبدو الأمر بلا نهاية و تكاثفت وقتها الدعاية الغربية - بفعل سعار الدعاية الصهيونية - لصرف الأنظار عن سلام الجنوب الوليد الى أزمة جديدة مصطنعة اصطناعاً فى دارفور ، اتضح لاحقاً انها ليست حقيقية بدليل ان الحركات المسلحة الآن لم تعد تستطع التحرك على الأرض كما ان الحكومة رسمت إستراتيجية جديدة شرعت فى إنفاذها لحل الأزمة فى دارفور . اذن اللعبة واضحة ، فنهاية ازمة الجنوب و بمجرد ان يصبح دولة مستقلة يسرح و يمرح فيها الصهاينة ، فان ذات الشئ يثور فى دارفور ، طرح لذات المطلب (تقرير المصير) أو إعادة تأجيج الصراع بشتي السبل حتى يدخل السودان من جديد فى موقد مشتعل ،و ينتهي الأمر بدولة جديدة أخري فى دارفور . الواقع ان هذا المشهد – قديم جديد – ولم يغب عن فطنة المراقبين ، كما لم يغب عن فطنة السلطة القائمة فى السودان و من المؤكد ان السودان باستطاعته – رغم هذه الظروف – مواجهة ما سوف يحدث ، غير ان العلَّة والأمر المؤسف غاية الأسف ان هذا التمزق المقصود للسودان يجري بمعاونة أبنائه سواء فى الحركة الشعبية او فى الحركات المسلحة الدارفورية ، فالحركة الشعبية تتوهم بسذاجة مؤلمة حقاً انها سوف تنشئ دولة جنوبية قوية! و تفتح المجال للحركات الدارفورية المسلحة لتفعل ذات الشئ ! السذاجة هنا تتمثل فى ان الإسرائيليين والأمريكيين لم يبلغوا بعد هذا الكرم السياسي الحاتمي لكي يعاونوا الجنوبيين و أهل دارفور لإقامة فردوس و صنع دولة قوية! هذا لن يحدث إذ ان التقسيم أصلاً المقصود به إضعاف الجميع، و حين تدرك الحركة الشعبية هذه الحقيقة البسيطة و تدرك ذلك ايضاً حركات دارفور المسلحة فان الأوان يكون بالفعل قد فات !