تحليل سياسي لا يعدو الجدل الذى ظلت تثيره الحركة الشعبية بشأن مواعيد الاستفتاء و قدسيتها و ضرورة إجراؤها فى مواعيدها ، سوي الجزء الأقل أهمية من القضية ، إذ لا أحد لديه الرغبة فى المماطلة فى إجراء الاستفتاء فى مواعيده ،وقد أكد شريكها الوطني و أحزاب حكومة الوحدة الوطنية و حتى مفوضية الاستفتاء ان الاستفتاء قائم فى موعده ، بل ان واحدة من أهم استراتيجيات الدولة الآن هى ان تفي بأهم بند من بنود اتفاقية السلام الشامل و هو تقرير المصير لجنوب السودان، فالحزب الوطني يعتبر نفسه الآن متقدماً على من سبقوه بشأن حل المشكل فى الجنوب السوداني كونه أوفي بكافة متطلبات العملية السلمية وهو دون شك لا يريد ان يغامر بحال من الأحوال بعرقلة الجزء المتبقي من الاتفاقية لأنه على ما يبدو عازم على حل نهائي مستدام للمشكل و عازم فى الوقت نفسه على إنفاذ برامجه الإستراتيجية بشأن الدولة السودانية وهى برامج يصعب إنكار موضوعيتها وفوائدها المستقبلية الجمة فى ظل المناخ الديمقراطي المتنامي . إذن ما المشكلة بشأن عملية الاستفتاء ؟ المشكلة وفقاً لما بدا واضحاً الآن و حتى فى أوساط القوى السياسية الجنوبية ، بل وحتى داخل أورقة الحركة الشعبية ان الحركة فشلت بصورة سافرة فى تهيئة مناخ مواتي - ولو فى حده الأدني – للحصول على استفتاء شفاف مقبول ،و غير قابل للنزاع والتشكيك ، فحين تجأر 10 أحزاب جنوبية بالشكوى من تضيق تحركاتها و أطروحاتها السياسية فى الجنوب ، و حين يثبت ان هنالك تعويق لم تنكره الحركة نفسها لحراك هذه الأحزاب ، وفوق كل ذلك وجود حركة اعتقالات بعضها سابق و بعضها قائم لبعض قادة هذه الأحزاب ، فان هذا دون شك لا يمكن اعتباره مناخاً مواتياً لأضخم و اكبر عملية سياسية تتعلق بمصير بلد تتم لمرة واحدة و يتحدد على أساسها كل شئ يصعب الرجوع عنه . ولهذا فان من حق هذه القوى السياسية ال10 و غيرها ان تطالب بمناخ مواتي فيه كامل الحركة فى الحراك و الطرح . كما ان المشكلة ايضاً تتعلق بما بات من المؤكد ان الحركة قد عقدت عزمها عليه وهو ان تفعل ذات الشئ الذى فعلته فى الاستحقاق الانتخابي ، بإطلاق يد الجيش الشعبي فى كل شئ و السيطرة على الصناديق و تهديد الناخبين لتكون المحصلة النهائية ان تأتي نتيجة لن يكون بواسع اى عاقل قبولها . إن الأزمة فى الواقع تكمن فى تصلب الذهن السياسي للحركة و ضيقه التام بالرأي الآخر ، فهي تسوق الجميع سوقاً باتجاه الانفصال ولعل اكبر دليل على نيتها السيئة هذه مطالبة زعيمها سلفا كير فى لقاء له بواشنطن بعدم إلزام حركته بإجراء استفتاء (بالمعاير الديمقراطية الدولية )! فالرجل طلب (عذراً مسبقاً) لما ستفعله حركته، و أنه ما ينبغي لومها لاحقاً على ما فعلت ! إن الاهتمام ينبغي الآن ان ينصب فى كيفية إلزام الحركة بالالتزام باستفتاء نزيه و شفاف ،و هذه هى المعضلة و ليست المعضلة هى قيام الاستفتاء فى مواعيده التى لم و لن يجادل عليها أحد لأن لا أحد لديه مصلحة فى ذلك .