تحليل سياسي ظلت الحركة الشعبية تردد ليل نهار أنها تصر على قيام الاستفتاء فى مواعيده و ان الوطني يسعي لعرقلة الاستفتاء ولعل آخر تصريحات فى هذا الصدد وردت عن زعيم الحركة الفريق سلفاكير ميارديت والتى قال فيها ان الوطني اذا تسبب فى عرقلة الاستفتاء، فان الحركة سوف تقوم بإجرائه بنفسها فى الجنوب. و السؤال هو، هل يفكر الوطني فعلاً فى عرقلة الاستفتاء؟ و الشق الضروري الثاني من السؤال هل بوسعه ان ينجح فى ذلك؟ ان الحزب الوطني و إبتداءً من رئيسه البشير و حتى أدني الهرم القيادي فيه ظل موقفه ثابتاً بشأن قيام الاستفتاء فى مواعيده ،و لئن قال قائل ان الموقف المعلن قد يكون شئ و الموقف المبطن شئ آخر ، فإننا نشير هنا الى ان إجراء الاستفتاء فى مواعيده كأمر نصت عليه الاتفاقية هو استحقاق التزم به المؤتمر الوطني محلياً هنا وعلى النطاق الدولي فى لقاء نيويورك 24 سبتمبر الماضي . و مثل هذا الالتزام المحلي و الدولي يستحيل نقضه او الالتفاف عليه ،و لا شك ان الوطني أكثر إدراكاً لمخاطر الجمة المترتبة على تأخير استحقاق هام هكذا بخطوة أو موقف منه ، مهما كانت دوافعه او مبرراته، فهو الآن حريص على إمضاء اتفاقية السلام باعتباره أول سلطة سودانية مركزية تنجح فى الحصول على اتفاقية سلام توقف الحرب – و هذا مكسب استراتيجي ضخم – و تنفذ كافة بنود الاتفاقية لتقضي على الانطباعات القديمة السالبة (نقض العهود و المواثيق) و لا شك ان الوطني حريص على نجاحاته الإستراتيجية هذه غاية الحرص ،ويجد صعوبة فى هدم ما ظل يبنيه لسنوات خلت ؛ هذا من جانب ؛ و من جانب آخر ثان – وهذه النقطة مهمة جداً – فان الوطني حتى لو أراد اتخاذ موقف يعرقل به الاستفتاء فانه سوف يصطدم بصخرة المفوضية الخاصة بالاستفتاء ، فهي مفوضية مستقلة جري تصميمها بواسطة الطرفين ، بحيث يستحيل توجيهها واستخدامها استخداماً سيئاً ، خاصاً بكل طرف ، وبالطبع اذا حاول اى طرف الضغط او التأثير على المفوضية فسوف ينكشف أمره ويصبح موقفه مؤسفاً . اذن – عملياً – هناك صعوبات فى ان يسعي الوطني –بطريقة او بأخري لعرقلة الاستفتاء ، كما ان من الصعب عليه ان يتخذ موقفاً سياسياً يسعي لهذه العرقلة لأنه يدرك ما يترتب عليها، و لكن هنا اذا كان الوطني يواجه مصاعب بشأن العرقلة و نجاحه فيها يكاد يكون صفراً ، فما الذي يجعل الحركة اذن تتخوف هذه التخوفات و تردد هذه التهديدات؟ ان الإجابة بسيطة للغاية وهى ان الحركة تعلم بأن إجراءات الاستفتاء من الناحية الفنية – وبنصوص القانون – قد تقود الى التأجيل سواء طالت او قصرت المدة و لديها شعور بأن هذا التأجيل يستفيد منه الوحدويون لأنه يعطي الوطني فرصة أوسع للتبشير بالوحدة ومخاطر الانفصال ،و ربما يفضح ايضاً مساعي الحركة لدفع المواطنين للانفصال ، كما أن التأجيل قد يزيد من ضبط وترسيخ قواعد النزاهة و الشفافية بما لا يتيح للحركة فعل شئ ! لهذه الأسباب فان الحركة تطلق هذه التهديدات حتى تشوش على المفوضية و على الكل لكي لا يطالبوها باستفتاء يجري بقواعد شفافة ،وقد سبق لزعيمها كير فى نيويورك ان طالب بعدم مقايسة الاستفتاء بمعايير دولية ! هل وضحت الفكرة واستبانت الحقائق إذن ؟