النقصان لا يعجب أحداً، النفس البشرية دائماً ميالة للزيادة. حتى مرضي السكري عندما يوافقون على بتر واحد من أطرافهم يقبلون ذلك بألم شديد، ولكن يقبلونه يوم يكون البديل اخطر. الاستفتاء سيكون في زمانه والإخوة الجنوبيون هم الذين سيقررون ماذا يريدون وحدة أم انفصال؟ كل هذا الإعلام الذي نري في أجهزتنا القومية مبتور، فهذا الإعلام يقدم لنا لحظات الصفاء التي قال فهيا قادة الجنوب أنهم مع الوحدة، ويتناسون عشرات المرات التي قالوا أنهم مع الانفصال، ولن يصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية. ومنهم من بالغ وقال سننال الحرية قريباً. في الجنوب مظاهرات كل شهر تنادي بالانفصال بهستريا وكانه دولة مستعمرة ستنال استقلالها قريباً. لكن هذا وبعد اجتماعات نيويورك التي قطعاً فيها ما هو معلوم وما هو سري رغم ذلك، علينا ان نتحدث بلغة العقل ونترك لغة العواطف. الجنوبيون الآن يحكمون كل الجنوب ويشاركون في حكم الشمال، وكل هذا لم يرضيهم وبعض من قادتهم يكيل التهم وينادي بالانفصال. الشمال الآن وبكل رضا يصرف على تنمية الجنوب وأموال الجنوب في أجازة من التنمية وغير متفق عليها. بدلاً من تضيع المدة التي تفصلنا عن الاستفتاء في البكاء على الوحدة (الجاذبة) وتكوين اللجان وهدر الوقت والطاقات في ما لا نملكه، علينا أن نتحدث في ما ينفع الناس حتى نخرج بانفصال سلس، وذلك ببحث كل القضايا المعلقة من حدود وديون وأموال بترول ووضع الشماليين الذين بالجنوب والجنوبيين الذين بالشمال، وأخطر الحلقات الجنوبيون المسلمون ما موقفهم من الإعراب؟ مستشهداً ببثينة عوض الله جابو مينج التي كتبت لي في مارس 2006م منادية بالانفصال يوم كانت طالبة ويوم قابلتها بعد أن صارت صحفية سألتني نحن كمسلمين جنوبيين لماذا تخليتم عنا)؟ بحث اتفاقات ثنائية من الآن حتى لا يضر طرف والآخر، وكل هذه ستأخذ وقتاً طويلاً وتحتاج الى خبراء ووسطاء وأي تفريط فيها بانتظار نتيجة الاستفتاء، سيكون فاجعة وزلزالاً مدمراً للطرفين، ونخشي من حريق يقضي على الطرفين. في نفس الوقت اذ ما اتفق الطرفان على كل النقاط العالقة من بترول وخطوط وديون وحدود، وكانت نتيجة الاستفتاء الوحدة – ليس ذلك على الله بعزيز – يكتب على الاتفاقات بقلم أخضر (يحفظ) وسيل الحبر أسهل من سيل الدماء. الخوف من لعنة التاريخ الذي سيسجل من تسبب في فصل الجنوب، هذا الخوف الذي يشغل بعض قادة الشمال يجب أن لا يضحوا بأرواح غالية في سبيل حفظ صحائفهم في التاريخ، فالمجموعة أولي من الفرد. والغيب لا يعلمه الا الله (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعيسي أن تكرهوا شياً وهو خير لكم وعسي أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون) (البقرة:216). من يدري لعل الإخوة الجنوبيين بعد الانفصال يرتبون أنفسهم ويبنون دولتهم ويجعلون لنا منها سويسرا أفريقيا، ونبادلهم الزيارات والسياحة بعد زمن قريب. ومن يدري لعل الإخوة الجنوبيين بعد تأسس دولتهم ربما يطالبون بالرجوع للوطن الأم تحت شروط جديدة وعاقلة بدون انفعالات ولا إحساس بغبن ولا ابتزاز. واللعب في مربع التباكي على ما لا ملك مضيعة وقت. نقلاً عن صحيفة التيار 26/9/2010م