في ظل جبل غيش الاثيوبي يسود اعتقاد بان مياه النيل الازرق تمتلك مزايا علاجية لكن الاثيوبيين يرون انها الميزة الوحيدة التي يستفيدون منها من اطول نهر افريقي ينبع من اراضيهم. وقال المزارع المسن برهانو ملاك لوكالة فرانس برس 'هذه المياه مقدسة وهي تحقق معجزات في شفاء مرضى' فيما كان يملأ حوضا معدنيا بالمياه لتشرب منه حشود من الرجال والنساء يرتدون اللباس الابيض وينتظرون في طوابير منذ بزوغ الفجر في هذه المدينة الواقعة على بعد 400 كلم شمال اديس ابابا. وهذا النهر الذي ينبع من غيش اباي يتدفق اولا الى بحيرة تانا ثم يتابع مجراه باتجاه السودان حيث يعرف باسم النيل الازرق. وهناك يلتقي بالنيل الابيض في الخرطوم قبل متابعة مساره الى مصر ليصب في مياه البحر المتوسط بعد اجتياز مسافة نحو ستة الاف كلم. واضاف برهانو الذي حجبت صوته جلبة المستحمين في المياه 'انظروا حولنا لا يوجد اي شيء. ان النهر الكبير لا يؤمن لنا لقمة العيش'. وهذا الشعور يسود منذ عقود في اثيوبيا. فالاراضي التي ينبع منها النهر تجتاحها بانتظام فترات جفاف بينما الدول الاخرى التي يمر فيها النهر تستفيد كثيرا من مياهه. وفي منطقة امهرة التي ينبع منها 80 ' من مياه النيل، يعتمد 850 الفا من السكان على المساعدات الغذائية على ما تؤكد الاممالمتحدة. فالمزروعات تنبت فيها عند هطول المطر في تناقض ملفت مع الوضع في مصر حيث تقام مزارع شاسعة وملاعب للغولف على ضفاف النهر. وفي محاولة لتغيير الوضع وقعت اثيوبيا وكينيا ورواندا وتنزانيا واوغندا وهي بلدان مشاطئة وفقيرة اتفاقا جديدا هذه السنة بهدف الاستفادة بشكل اكثر انصافا من مياه النهر. وبموجب الاتفاق تعتزم اديس ابابا الافادة من مواردها المائية لبناء سدود وتصدير الطاقة الكهربائية المولدة من المياه الى الدول المجاورة فضلا عن اقامة مشاريع ري لمكافحة الجوع. لكن السودان ومصر اللذين يعتمدان بشكل شبه كلي على النيل، يرفضان المشروع الذي سيؤدي في نظرهما الى خفض منسوب النهر بشكل كبير واكدا انهما لن يتنازلا عن اي قطرة مياه. وقال وزير الموارد المائية الاثيوبي اسفو دينغامو لوكالة فرانس برس 'انهما يقولان ان المسالة تتعلق بامنهما القومي.. والامر نفسه بالنسبة لنا'. واضاف 'تقدمنا بطلبات منذ زمن طويل للحصول على قروض لاستغلال مواردنا المائية لكنها رفضت بسبب الاعتراضات المصرية والسودانية'. وقررت اثيوبيا الان تأمين تمويل ذاتي لهذه المشاريع مؤكدة انها لن تضر بمصالح الدول الاخرى. وقال الخبير في الوزارة فيكاحمد نقاش 'ان الجزء الذي يمر في اراضينا من النيل قادر على توليد 10 الاف ميغاواط وري 1,1 مليون هكتار من الاراضي. واستخدامنا الان لا يتعدى 0,45 في المئة من تدفق النيل'. واكد 'حتى وان كنا قادرين على تطوير كل هذه الارض فاننا سنستغل 10 في المئة فقط من تدفق المياه. وخطتنا في الوقت الحاضر تشمل 6 في المئة على مدى 50 عاما'. ولفتت آنا كاسكاو المسؤولة عن المشاريع في معهد المياه الدولي في ستوكهولم في تصريح لفرانس برس الى 'ان الاطار القانوني .. هو عادة ما يجب ان يحلم به اي بلد مشاطئ للنهر في حوض يتجاوز الحدود'. واضافت ان البلدان الواقعة على ضفاف النيل 'لا تملك هذه الرؤية لان لديها اصلا اتفاقات قانونية ثنائية لتقاسم مياه النيل'. ويتعلق محور الخلاف باتفاقية مبرمة في 1929 بين القاهرة والمستعمر البريطاني منحت مصر بموجبها حق الاعتراض على مشاريع قائمة خارج اراضيها. كما تمنح اتفاقية اخرى موقعة بين مصر والسودان في 1959، مصر 55,5 مليار متر مكعب من المياه كل سنة اي 87 في المئة من منسوب النيل والسودان 18,5 مليار متر مكعب. ويثير موقف القاهرة المتصلب مع محاولات اجتياح في الماضي للسيطرة على النيل الضغائن لدى السكان المحليين. وقال طالب جامعي من غيش اباي في العشرين من عمره يدعى فرو تيريفي 'انهم (المصريين) كانوا دوما اعداءنا. يفعلون كثيرا من الامور للاساءة الى بلادنا'. ويتهم المسؤولون في اثيوبيا مصر بدعم حركات تمرد لزعزعة الاستقرار بينما كادت الحرب تقع مرات عدة بين البلدين. وقبل سنوات قال رئيس الوزراء الاثيوبي ميليس زيناوي لصحافيين محذرا 'ان ارادت مصر منع اثيوبيا من استخدام النيل عليها اولا ان تحتلها، وهذا ما لم تستطع اي دولة ان تفعله في الماضي'. ويفضل الخبراء في الوقت الحاضر التشديد على الاستفادة المشتركة التي يمكن ان تحققها اتفاقية جديدة. وقالت كاسكاو 'ان السيناريو المثالي يكون بتحويل حوض النيل ليس فقط الى وحدة مائية بل ايضا سياسية واقتصادية تمكن الدول من التعاون واستثمار وتحقيق مشاريع تعود بالفائدة على جميع البلدان'. وعبر ميكوانينت نيغوسي وهو طالب في الثانية والعشرين من عمره من غيش اباي عن رأي مماثل. وقال 'هناك دوما مجال للتعاون. لا نريد ان يتضوروا جوعا بينما نحن نبني بلادنا'. المصدر: القدس العربي 27/9/2010