لا تكمن مشكلة الاستفتاء في جنوب السودان والتي جعلت منها واشنطن والحركة الشعبية مشكلة حتى تستخدم كل الأساليب لحلها، لا تكمن في إجراء الاستفتاء في مواعيده أو ضمان حصول الناخبين الجنوبيين على استحقاق سلس، أو ضمان استقرار المنطقة في أعقاب الاستحقاق. المشكلة باختصار – تكمن في أن واشنطن توافقت مع الحركة الشعبية سواء عبر ضغوط من جانب اللوبي المعروف المؤيد للحركة والمؤثر داخل الإدارة الأمريكية، أو لأسباب تتعلق بإستراتيجية واشنطن نفسها على تفتيت وحدة السودان. فالحركة تدعو للانفصال علناً وبقوة وواشنطن تسمح وتطرب لغناء الانفصال. وبلغ الأمر ذروته حين جري عقد مؤتمر نيويورك يوم 24/سبتمبر 2010م بحضور الرئيس أوباما وأمين عام المتحدة بان كي مون وقادة أفارقة. فلقاء نيويورك – من أي وجهة نظرنا إليه – ما كان يستحق كل هذا العناء فاتفاقية السلام الموقعة في نيفاشا 2005م واضحة والالتزام بها وبمقرراتها كافة مشهود ولم يقل أحد حتى الآن لا الحركة ولا واشنطن ولا الأممالمتحدة أن الحزب الوطني في السودان قد خالف أي بند من بنود اتفاقية السلام أو يعتزم مخلفة أي بند أو أن لديه نية مبيتة لعرقلة آخر أهم بنود الاتفاقية وهي الاستفتاء. كل الذي ذاع وانتشر أن هناك أحاديث لتأجيل الاستفتاء ولا يعرف أي سياسي أو محلل سياسي أو مراقب حتى الآن ما هو سبب قدسية مواعيد الاستفتاء، أي ما الذي يحتم قيامه في مواعيده وان قيامه في أي مواعيد أخرى أمراً محرماً سياسياً؟ والغريب أنه سبق وأن قبلت الحركة – لأسباب أقل أهمية من الأسباب الماثلة الآن – تأجيل استحقاق الانتخابات بل تمنت تاجيها إلى ما بعد الاستفتاء! ولهذا فإن الأمر بات من الوضوح بحيث لم يعد سراً. هناك خطة معدة مسبقاً لفصل جنوب السودان فصلاً هادئاً سلساً. ليس هذا فحسب، فقد تبين أيضاً أن هذا الفصل يراد له أن يتم دون أن يتغير أي شيء أو أي موقف تجاه الشمال سواء من جانب الحركة أو من جانب واشنطن، فقد تصلبت واشنطن في ذات مواقفها القديمة حيال السودان وأرسل رئيسها رسائل تهديد مبطنة وناعمة للشمال ومن جانبها انتهجت الحركة بالمؤتمر الدولي واعتبرته (أول اعتراف لدولة الجنوب المرتقبة). هذا المشهد في الحقيقة هو بمثابة إيذاء متعمد لإستراتيجية الوحدة والتنوع اذ انه وحتى هذه اللحظة لا الحركة الشعبية أفصحت – بمنطق مقبول – عن سبب تفضيلي للانفصال ولا واشنطن أفصحت عن سبب دعمها لتوجهات الحركة الانفصالية. والاثنين – واشنطن والحركة – بهذا الموقف لا يعرضان أمن السودان وحده للخطر حيث من المتوقع أن يتسبب هذا الوضع في تشجيع إقليم سودانية أخرى نحو الانفصال من أجل الانفصال فقط كما تفعل الحركة الآن من المتوقع أيضاً أن تتسرى حمي الانفصال في دول الجوار، بسبب أو بغير سبب. أن واشنطن في الواقع تعاملت برؤية استعمارية خالية من أي قدر من الذكاء في هذا الأمر وانساقت لها الحركة التي لا يبدو أنها بدأت تستشعر مرارة الانفصال الا حين سمعت حديث د. كمال عبيد عن المواطنة وحقوقها!!