في يوم الإثنين الثاني عشر من أبريل، وبُعيد يوم وحيد من إنطلاق عملية الاقتراع في الانتخابات التعددية التي غابت قرابة الأربعة وعشرين عاماً من الزمان، أعلن تحالف أحزاب جوبا (قوى الإجماع الوطني) بالغ إمتعاضه عن الموقف الامريكي بشأن العملية الانتخابية. وشن فاروق أبو عيسى لسان حال التحالف هجوما شديد اللهجة على الولاياتالمتحدةالامريكية، وأتهمها دونما مواربة بالسعي لفصل الجنوب، وذلك بإستخدام ورقة الانتخابات. أبو عيسى في إرساله لكرات اللهب تجاه واشنطن، دمغ الجنرال إسكوت غرايشون مبعوث إدارة أوباما للسودان بالسيطرة على أجواء الانتخابات لجهة تسخيرها لمصالح وأجندات بلاده، كما ورمى جيمي كارتر الرئيس الأسبق للولايات المتحدة، رئيس مركز كارتر لمراقبة الانتخابات بالإنحياز لصف حزب المؤتمر الوطني. ويصف كثير من المراقبين موقف الولاياتالمتحدة تجاه السودان بالغامض، ويعزون الأمر لحالة التجاذب الكبير داخل أروقة الإدارة الأمريكية بين جناحي الصقور الذي تقوده سوزان رايس السفيرة بالأمم المتحدة ومن خلفها جماعات الضغط، وجناح الحمائم الداعي لضرورة التعاطي مع حكومة الخرطوم ويقوده الجنرال إسكوت غرايشون. وفاجأت الولاياتالمتحدة الجميع، بتأييدها لحزب المؤتمر الوطني في دعوته لقيام الانتخابات في مواعيدها المقررة، على الرغم من إعلانها في وقت سابق عن قلقها العميق من الأجواء التي تكتنف العملية، وهي دعوة تقف على نقيض مناداة معظم قوى المعارضة (التي كان يعتقد الجميع وجود تنسيق بينها والولاياتالمتحدة) بتأجيل الانتخابات لصالح فسح المجال أمام إحقاق وإنفاذ عدد من المطلوبات التي من شأنها إخراجها بصورة مرضية. هذا في وقت سابق، أما عن الموقف الامريكي عقب إنتهاء مرحلة الاقتراع التي شهدت تراشقاً كبيراً بين المؤتمر الوطني وقوى المعارضة، فكان حمال أوجه، إدارة اوباما وجهت الإنتقادات تجاه المفوضية القومية للانتخابات وأعربت عن أسفها للعيوب والتجاوزات التي أكتنفت العملية. وقال بيان للبيت الأبيض إن الانتخابات (شهدت حالة التفاف على الحقوق السياسية والحريات). موقف يكاد يماس تقرير مركز كارتر عن تقييمه للعملية، فالمركز أشار الى أن الانتخابات لم ترق الى المعايير الدولية على خلفية صعوبات تنظيمية ولوجستية فضلاً عن سوء الأوضاع في إقليم دارفور. بيد أن الادارة الأمريكية، ومركز الرئيس الأمريكي الأسبق، وفي وجه ثان، أكدا صعوبة خروج العملية الانتخابية دون أخطاء، وقال مايكل باتل السفير الأمريكي لدى الإتحاد الأفريقي أن كثيرين توقعوا بألا تحوذ الانتخابات على تقييم ممتاز، ولكنها -أي الانتخابات- خطوة مهمة في إستدامة السلام في السودان وفرصة لإتاحة المجال أمام الحقوق المدنية والسياسية. وشدد باتل أن حرص بلاده على إقامة الانتخابات يأتي في سياق حرصها على تطبيق عناصر إتفاقية السلام الشامل وصولاً لضمان قيام الاستفتاء في مواعيده والعمل على إحترام نتائجه. من جانبه قطع كارتر بإعتراف المجتمع الدولي بما ستتمخض عنه نتائج الانتخابات، على الرغم من عدم تماشيها والمعايير الدولية. وبالانتقال لضفة أخرى، نجد أن إدارة أوباما ظلت تبعث برسائل مفادها، أنها مع قيام الاستفتاء في مواعيده المقرر له مطلع العام المقبل بحسب نصوص إتفاقية نيفاشا. واشنطن، أحد الرعايا الأساسيين لإتفاق السلام، نفت وقوفها الى جانب أحد خيارات الاستفتاء، بمعني أنها ليست مع الوحدة، كما وأنها لا تقف الى جانب خيار الانفصال، تاركة الكرة في ملعب أبناء الجنوب يسددونها كيف شاءوا. وهو الموقف الذي عضده أقوك ماكور القيادي في الحركة الشعبية قطاع الشمال، أقوك قال ل «الرأي العام» إن حرص الولاياتالمتحدة على قيام الانتخابات، يتماشى مع الأدوار التي لعبتها في بناء السلام القائم وحرصها على أستدامته بتنفيذ آخر بنوده: الاستفتاء. ولكن أقوك اكد بحديث مغلظ أن تقرير المصير شأن جنوبي خالص، بمنأى عن الإجندات الخارجية، سواء أدى ذلك للوحدة أو الانفصال. وفي السياق، لم يستبعد محمد وداعة القيادي بحزب البعث السوداني في حديثه مع «الرأي العام» وجود صفقة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية برعاية أمريكية وتقضي بمنح الشمال للوطني في مقابل تسهيل الانفصال للجنوب. ودلل على ذلك برضى إدارة أوباما على ما تم في الانتخابات. ولكن أقوك نفى تلك التهمة وقال ل: لا توجد صفقة مطلقاً. أقوك اكد أن فوز البشير برئاسة الجمهورية يمثل ضمانة لتنفيذ إتفاق السلام بصورة سلسة. ونفى الأحاديث التي تقول بأن الوطني وحال فوزه سيعمد الى مماطلة الجنوب حول استفتاء تقرير المصير. وقال البشير نفذ خطوات بالغة الصعوبة في إتفاق السلام كسحبه للجيش من الجنوب، وإقراره لقانونيي إستفتاء الجنوب وابيي وبالتالي خلص الى أن البشير سينفذ الإستفتاء بحذافيره. الموقف الأمريكي من الانتخابات الذي يصفه البعض بالملتبس، ويراه آخرون بشديد الإتساق، يصعب قراءته دون إجلاء النظر في استفتاء الجنوب، فالولاياتالمتحدة التي أبدت حرصا متناهياً على قيام الانتخابات كمحطة رئيسة للوصول للاستفتاء، أوضحت -ومما يتجمع لديها من دلائل- أن الانفصال بات قريباً وهو حديث يقترب من الاتهامات التي تدمغها بالسعي والعمل لإنفصال الجنوب. ولكن من المهم هنا، أن نشير للتحذيرات الشديدة اللهجة التي أصدرتها الولاياتالمتحدة من الانفصال وتبعاته من التوترات التي يمكن أن تصيب المنطقة بأسرها، وحملتها استراتيجية أوباما تجاه السودان. ومما يبدو، فإن إصرار الولاياتالمتحدة على قيام الانتخابات كمدخل وحيد للاستفتاء، ينم عن ان أدارة أوباما حزمت أمرها تجاه سياساتها والخرطوم، سياسات مطروحة أمام الجميع ومفتوحة على عدة خيارات، الأيام وحدها الكفيلة بالكشف عنها.