في مارس الماضي، استمعت في العاصمة البريطانية لندن ، خلال جلسة مسائية جمعت عديد الخبراء والمختصين بالشأن السوداني وخاصة جنوب السودان ودبلوماسيين من مشارب شتى يستهويهم ما يحدث في السودان، إلى مراقب يعرف دقائق السياسة البريطانية، تحدث عن الانتخابات السودانية التي كانت مواقيتها آنئذٍ على الأبواب، وعن المتوقع في جنوب السودان، وقال الرجل بالحرف الواحد وبعد أسابيع قلائل كان هناك حديث آخر على مائدة عشاء مع دبلوماسي وخبير سوداني، كان بالخرطوم لقضاء إجازة قصيرة، تم تناول معلومات شبيهة، وتحليلات للانتخابات المقبلة تتقارب من الحديث الذي سمعته في لندن، حول القلق الذي يسري في الأوساط السياسية الأوروبية والأمريكية، من استمرار الوضع في الجنوب على ما هو عليه في حال الانفصال دون حدوث تحولات مركزية وأساس في تركيبة الحكم في الجنوب، وتتحفظ القوى الغربية على صورة الحكم الحالي للحركة الشعبية، خاصة الفساد المستشري في الجنوب والعجز عن تحقيق أي إنجازات في مضمار التنمية وتو?ير الخدمات والاحتياجات الضرورية للمواطنين في الجنوب وغياب القانون وحرية التعبير وطغيان الأحذية الثقيلة للجيش الشعبي على وجه الحياة وابتلاع هذا الجيش لعائدات البترول، واختلال الأوضاع واعتلالها بعدم وجود تصور متكامل للحركة في الحكم. المهم أن كل ذلك لم يحدث، وجرت الانتخابات وكان التنافس محموماً بين السيد سلفا والسيد لام أكول على منصب رئيس حكومة الجنوب ولم يعترف أكول بنتائج الانتخابات، وظل الحال على ما هو عليه، حتى اقتراب مواعيد الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان، وهنا حدثت تطورات خلال الأسابيع الماضية، بحدوث اتصالات بعيدة عن مساقط الأضواء، بين الحركة الشعبية ورئيس الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي الدكتور لام أكول، مع وجود ارهاصات بأن مقترحاً غربياً جاء وكأنه أمر واجب التنفيذ بضرورة التصالح والتفاهم مع السيد لام أكول وتهيئة الأجواء ?لداخلية في الجنوب وفي الحركة لاستيعابه في منصب مهم ونافذ في دولة الجنوب القادمة. بين الحديثين اللندني والآخر في قلب الخرطوم، ربما تتلامس خيوط عديدة يمكن من خلالها رؤية واستبصار، اللقاء الذي جمع أول من أمس في مدينة جوبا بين السيد سلفاكير رئيس الحركة الشعبية ورئيس حكومة الجنوب والسيد لام أكول، وتجاوز الخلافات بينهما، وهو اللقاء الذي يفك الشفرة الكاملة لما تنطوي عليه الأمور بشأن السلطة في الجنوب عقب الانفصال وتكوين دولة الجنوب. فالتفكير والحث على هذا اللقاء لم يكن رغبة جنوبية جنوبية كما قيل عنه بقدر ما كانت رغبة أمريكية بريطانية في الأساس لرعاية الجنين القادم من رحم الاستفتاء، وضمان استقرار واستمرار حكومة الجنوب القادمة ونجاحها في الظهور بمظهر يجلب الثقة فيها ويطمئن عرابيها وداعميها من الدول الغربية، فهذا اللقاء هو تسوية لما هو قادم، ومحاولة لجر الجنوب من الوقوع في براثن الفشل والإخفاق والتمزق، خاصة إذا علمنا أن جهوداً إسرائيلية وأمريكية تجرى لإعادة الجنرال جورج أتور لصفوف الحركة الشعبية والجيش الشعبي وكل مخالفي حكومة الجنوب وال?تمردين عليها، فإعداد المناخ وتهيئة الأجواء لولادة الدولة القادمة هو السبب وراء كل ما يجري، هذه صناعة خارجية للداخل الجنوبي لا أكثر ولا أقل . رغم ذلك هناك من يتحدث عن خلافات داخلية ولعبة توازنات وتحالفات في الداخل الجنوبي، فشعور سلفاكير بأن السيد باقان أموم ووياي دينق لا يضمنان له ولاء قبيلة الشلك ولا مناطق واسعة من أعالي النيل الكبرى، فطفق يبحث عن معادلة جديدة حتى يعبر المرحلة المقبلة بلا هواجس وخلافات وعوائق... مهما يكن فإن المرحلة المقبلة داخل الحركة والجنوب ستشهد انتقالات ومفاجآت عديدة سيكون لها أثر كبير في الوضع السياسي والأمني بالجنوب وتلقي بظلال مختلفة على الولادة القيصرية لدولة الجنوب. «إن هناك رغبة لدى الدوائر الرسمية البريطانية، أن يفصل بين منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، وبين منصب رئيس حكومة جنوب السودان، وكان يرى أن السيد سلفاكير تواجهه ع?بة بناء دولة مدنية في الجنوب، والأداء التنفيذي والسياسي له خلال الفترة من أغسطس 2005م وحتى تلك اللحظة، لا ينسجم مع التطلعات المطلوبة وأبانت عجزاً في كيفية الانتقال لمرحلة جديدة في الجنوب، تؤسس على قواعد الحكم المدني المؤسسي، وأضاف أن مقترحاً يدرس في الدوائر البريطانية توطئة للتشاور مع الجانب الأمريكي حول كيفية نقاش مسألة الفصل بين المنصبين، النائب الأول للرئيس المخصص للحركة الشعبية وفق اتفاقية نيفاشا، ومنصب رئيس حكومة الجنوب، وأنه في حال قبول مقترح من هذا النوع وموافقة طرفي الاتفاق عليه، فإن منصب رئيس حكو?ة الجنوب، يترك لمرشح آخر غير الفريق سلفاكير، ويقدم ترشيح الدكتور لام أكول الذي خرج عن الحركة وكون حزباً آخر، وعضّد المقترح كما يقول الخبير والمراقب، بقدرة الأخير وتأهيله ودربته السياسية ككادر مدني يستطيع استيعاب وتنفيذ عملية الانتقال من حالة العسكرة في الجنوب التي تعمُّ الحياة العامة إلى إدارة مدنية فاعلة تستطيع بناء سلطة فاعلة قادرة على تحويل الأوضاع في الجنوب إلى نظام يمكن للغرب التعامل معه بثقة ودعمه بلا ريب. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 11/10/2010م