على الحكومة الحذر من تلاحق زيارات المسؤولين الغربيين للسودان، بشأن ملف الاستفتاء وقضية أبيي، وخاصة المسؤولين الأمريكيين، من بينها تواجد السيناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي والمرشح السابق للرئاسة بالبلاد هذه الأيام قبيل انعقاد جولة جديدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا حول أبيي، هدف هذه الزيارات والتهديدات والتصريحات، هو الضغط على حكومة الخرطوم للتراجع عن مواقفها وتقديم تنازلات للحركة الشعبية، ولم يخف الجانب الأمريكي ذلك في كل تصريحات مسؤولي الإدارة الأمريكية والكونغرس، فجون كيري الذي حلّ بين ظهرانينا، يلوِّح بعصا العقوبات من الخرطوم ورئيسه باراك أوباما يتوعد من واشنطون بالويل والثبور، وغرايشن يناور هنا وهناك لحياكة خيوط المؤامرة التي وضعت لتجريد الشمال من كل شيء قبل الاستفتاء والضغط عليه للقبول بشروط الحركة الشعبية وهي في الأساس شروط أمريكية لا أكثر ولا أقل مرامها الأخير إسقاط النظام في الخرطوم وإضعاف الشمال بالكامل حتى يسهل افتراسه واصطياده، ولا تمثل الحركة الشعبية وتنسيقها مع الأمريكيين، مصلحة المواطن الجنوبي، الذي صارت مصالحه هي الكرة التي تتقاذفها الأرجل لتحقيق مآرب ومرادات أجنبية. المقترحات الأمريكية حول أبيي، تتعدّل وتتبدّل على مدار الساعة كجلد الحرباء، كلما تطرح حزمة من المقترحات وترفضها الحكومة أو المؤتمر الوطني أو المسيرية، تستبدل بغيرها، وتحاول الأفعى الأمريكانية التسلّل من هذا الجحر فإن وجدت الطريق مسدوداً حاولت التسلل من غيره... ففي أثناء زيارة السيد نائب الرئيس إلى نيويورك نهاية الشهر الفائت، عقدت جولة من المفاوضات السريّة غير المعلنة في منتجع (green tree) بالقرب من نيويورك، طرحت فيه الوساطة الأمريكية على وفدي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، مقترحات لحل قضية أبيي، لكنها لم تكن مقترحات معقولة وبالتالي لم تكن مقبولة، وإن وافق الجميع من حيث المبدأ على الإطار العام لما قدمه الوسيط الأمريكي. ولم تتوصل تلك الجولة التي جرت على الأرض الأمريكية إلى شيء، وتم اقتراح تحويل المفاوضات إلى أديس أبابا، وقد كان، لم تتوصل أطراف قضية أبيي لحلول مرضية، والسبب في ذلك أن الرؤية الأمريكية لحل الصراع، ليست رؤية واقعية ولا مقنعة ومن العسير قبولها، لأنها تؤسس إما لتنازل فاضح ومرفوض من الحكومة في الشمال وسيقود حتماً لمواجهة عنيفة في المنطقة واشتعال أوار حرب ضروس بين الجانبين، أو تقود المقترحات والتصورات الأمريكية إلى تسوية قوامها البيع والشراء والمغريات والحوافز التي إن قبلها قليل من الناس أو بعض المسيرية، سترفضها الأغلبية الساحقة وستقع الحرب أيضاً لا محالة. وبتنا نخشى من المزالق والخدع الأمريكية إلى درجة أننا لا ننظر لما يجري في أديس أبابا برغم وجود وفد حكومي له قدرة كبيرة على المناورة وخبرة بفن التفاوض، ووجود المسيرية الذين لن تمرر عليهم الحيل الأمريكية..ولكن.. مع ذلك لابد من الحذر عند النظر لما يقدمه الوسيط الأمريكي، لأن الولاياتالمتحدة هي التي صنعت كل الأزمة الحالية في أبيي، عندما أصر القس جون دانفورث المبعوث الرئاسي الأمريكي الأسبق على إدخالها في المفاوضات تحت مظلة المناطق الثلاث وصارت «خاذوقاً»... وعندما وافقت الحكومة على ترؤس السفير الأمريكي دونالد بترسون الذي طُرِد من السودان في النصف الأول من التسعينيات، ليكون رئيساً لفريق الخبراء بمفوضية أبيي الذي أعد التقرير الذي قاد إلي لاهاي. بين يدينا الآن مقترحات جديدة، يجري نقاشها بين لجنة من شركاء الحكم، وتطرح أيضاً على المسيرية ودينكا نقوك، تقوم على تقسيم المنطقة التي حددتها هيئة التحكيم الدولية في لاهاي، تؤول فيها شمال المنطقة للشمال وجنوبها للجنوب، مقابل تجاوز أو إلغاء استفتاء أبيي. ويعتقد أن مثل هذه القسمة يمكن أن تقود إلى تراضٍ بين الطرفين، هذا المقترح الجديد باستحقاقاته ومتعلقاته من استخدامات الأرض والرعي وتبادل المصالح والعيش المشترك، تكمن العديد من الخطوط وعلامات الاستفهام تحته وحوله، ستتضح متى ما أعلن عن هذا المقترح رسمياً. خلاصة القول، ليس من السهل الحصول على تسوية لقضية أبيي، بعبور القنطرة الأمريكية نحو الضفة الأخرى، الحل كامن في إبعاد التأثير السياسي من الحركة على دينكا نقوك، الواجب دخولهم مباشرة في حوار مع جيرانهم المسيرية أصحاب الأرض الحقيقيين والتفاهم على العيش المشترك، لأن الحقيقة الكاملة يعرفها دينكا نقوك وأين هي مناطق مشيخاتهم التسع، وهل المسيرية هم أصحاب الحق التاريخي في المنطقة أم لا؟ وهل من حقهم المشاركة في أي قرار يتعلّق بالمنطقة....؟؟ نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 25/10/2010م