من حق أي حزب أو قوة سياسية – في إطار المناخ السياسي الديمقراطي السائد الآن في السودان – أن تشكك، أو تتهم أي جهة بالتلاعب في الانتخابات أو تتخوف من التزوير أو شراء الناخبين، فهذه مخاوف واتهامات مشروعة ومتوقعة خاصة في بلد مثل السودان تكثر فيه المشاكل والأزمات وغابت عنه الثقة بين مكوناته السياسية المختلفة لعقود من السنوات، وفي الغالب فان أي عملية كهذه لا بد أن تصادفها مشاكل وعقبات وخلافات ومن الصعب أن نتصور مرورها مرور الكرام. غير أن هذا الأمر محكوم بقواعد وقوانين وبأخلاق وتقاليد السودانيين على وجه الخصوص، ومن المؤكد أن غالب القوى السياسية السودانية – حاكمة – أو معارضة - وتحت تأثير التجارب المريرة التي مرت بها طوال السنوات الماضية باتت أكثر رغبة في الخروج من الحلقة المفرغة إلى فضاء ديمقراطي واسع مؤسس وقائم على دعائم قوية، ولهذا فان من المهم أن نشير هنا إلى أن فرضية شراء بطاقات التسجيل كواحدة من الاتهامات الرائجة الآن إذا ما قمنا بمعايرتها بمعيار المنطق والقواعد القانونية فإنها لن تصمد طويلاً، فقد شاعت مقولة أن هناك أحزاب وقوى تقوم بشراء بطاقات التسجيل من الناخبين لدفعهم فيما بعد للتصويت لصالحها سواء بحضور الشخص المعني أو عن طريق استخدام بطاقته، والذين يقولون بذلك يقصدون القول أن هنالك عمليات تمهيد تجري على قدم وساق لتزوير الانتخابات منذ الآن والواقع أن هذا التصور خاطئ من عدة وجوه نوردها هنا لمن يتعامل مع المنطق. فمن جهة أولي فان بطاقة التسجيل لا يمكن استخدامها إلا من قبل الشخص المعني نفسه اذ انه وحين يأتي الشخص للاقتراع فإنه يطالب بإثبات شخصية (سواء ببطاقة شخصية او جنسية أو جواز سفر) وأن لم يتسن ذلك فان الأمر يوكل إلى اللجنة الموجودة بالمركز المحدد ليقوم المراقبين بالتعرف على شخصية المقترع وإذا تعذر ذلك فلن يسمح للشخص بالإدلاء بصوته. ومن هنا يتبين أن مجرد التسجيل والحصول على البطاقة الخاصة به لا يعني أن الشخص حاز الحق في التصويت بطريقة تلقائية فالقواعد المطلوبة للتسجيل تختلف في تشددها عن القواعد المطلوبة للاقتراع منعاً لانتحال الشخصية أو الاقتراع نيابة عن الشخص. ومن جهة ثانية فان كان المقصود هو دفع مال للشخص المعني للتصويت لصالح جهة بعينها فهذا أمر أخلاقي بحت متروك لأخلاق الطرفين وهي قيمة إنسانية لا تعالج بالقوانين بقدر ما يعالجها السلوك والمرجعية الأخلاقية اذ لن يكون بمقدور احد أن يدعي استلام شخص لمال من جهة معنية بغرض التصويت لصالحها، ولكن إذا حدث وثبت ذلك فان هناك قوانين ومحاكم مختصة لمواجهة مثل هذه الأساليب. ومن جهة ثالثة فإن فرضية استخدام البطاقة في الإدلاء بالصوت في غياب الشخص المعني هي أيضاً مستحيلة لأن هناك مراقبين محليين وخبراء أجانب والصناديق محاطة بكل هؤلاء ومن المستحيل الافتراض أن كل هؤلاء المراقبين (المحليين والأجانب) سوف يتواطئون على عملية تزوير بهذا الوضع. أفادنا بذلك مصدر موثوق بهيئة الانتخابات العامة السابقة وسرد لنا تجارب عديدة القاسم المشترك فيها أن الأمر متروك لذمة الناخب وأمانته وليس الأحزاب والجهات السياسية ولا المراقبين. وعلى ذلك فان قناعة الناخبين مقرونة بأخلاقهم، ومدي إيمانهم بالعملية الانتخابية هي حجر الزاوية، ومن المهم أن تكثف الحملات في هذه الناحية بدلاً من تبادل الاتهامات والحديث عن التزوير المسبق بغرض إفساد العملية وإفراغها من مضمونها!.