لا أعتقد أن العرب يفتقدون المعرفة بواقع الحالة العراقية منذ الاحتلال حتى اليوم، ولربما إلى المستقبل المنظور.. ولا أعتقد بأننا، أنظمةً وشعوبا عربية، في حاجة إلى التذكير أو للمزيد من التوضيح حول شدة سوء أحوال العراق وشعبه في ظل الاحتلال وحكم المليشيات الطائفية، المؤدلجة بأحقاد تاريخية ضد العروبة وبكراهية الإسلام العربي المتمثل في أي مذهب غير المذهب الحاكم الآن في عاصمة الرشيد.. الحالة العراقية واضحة كل الوضوح، وأهداف الاحتلال أكثر وضوحاً، بعد التدمير الكامل للعراق وشعبه، فهي أهداف لا علاقة لها بأسلحة الدمار الشامل، ولا بالإرهاب.. وأهداف ما بعد العراق، في استراتيجيات المحتلين، باتت واضحة وضوح الشمس للأنظمة العربية المستسلمة.. فالمنطقة بأكملها تسير في ركب المخطط الاستراتيجي الذي بدأ في العراق.. حتى التعتيم الإعلامي الحديدي حول واقع الحال العراقي لم يعد قادراً على إخفاء التدمير المتعمد للعراق وشعبه، وإلغائه من الخريطة العربية بعد تقسيمه، وتوزيع الأرض والثروة بين الطوائف والقوميات العراقية المتعددة، التي عاشت على مدار التاريخ في وحدة متجانسة ليس لها شبيه في أية بقعة من العالم.. ولا أحد يستطيع بعد احتلال العراق أن ينظف السيرة الأمريكية أو يغير فهمنا لمنظومتها الأخلاقية المتوحشة، التي لا تعترف بغير لغة القتل والدم في التعامل مع الشعوب والأنظمة في العالم.. ولن ينسى العرب والمسلمون، صورة الأمريكي المغتصب لأعراض النساء والجلاد القاتل للأرواح البريئة بهدف التسلية وكأنه يتعامل مع حشرات وكائنات غير البشر.. ولن ينسى التاريخ معاناة العراقيين والعراقيات في مئات السجون الامريكية والطائفية المنتشرة على كل رقعة العراق المحتل، حيث القتل والتعذيب والاغتصاب، على مدار أكثر من سبع سنوات، فالتاريخ ليس لعبة كمبيوترية يمكن إلغاؤها بضغط مفتاح بسيط.. لذلك لم نكن بحاجة الى ما يُدعى ويكيليكس لتسريب وثائق البنتاجون (ولا نعرف الحقيقة الكاملة حول أهداف وكيفية تسريب كل هذه الوثائق)، ونشر الغسيل الأمريكي القذر والوحشية التي أدار بها الاحتلال الأمريكي وحلفاؤه هذا البلد العربي، لأن الصورة التي يملكها الشعب العربي عن الواقع العراقي هي أكثر سوءاً مما جاء في كل وثائق ويكيليكس "المسرّبة".. ولكن الأمة اليوم بأجمعها تنشد معرفة الجواب عن سؤال واحد مُلح.. لماذا الأنظمة العربية تقف موقف المتفرج من هذه القضايا الإنسانية، الأسوأ في تاريخ البشرية، التي يعيشها الشعب العراقي بعد الشعب الفلسطيني؟.. لماذا كل هذا الصمت العربي حول ما يجري في العراق؟.. لماذا زعماؤنا خائفون.. أو متخاذلون.. إلى هذه الدرجة؟.. ماذا انتم فاعلون بعد نشر كل هذه الوثائق التي تدحض كل تشكيك حول ما يجري في العراق من جرائم؟.. فهل تنتظرون اغتصاب كل نساء العرب قبل أن تنفعلوا أو تنطقوا بكلمة احتجاج أو تصريح وطني شريف يشفي بعضا من جراحات الأمة، ويجمع شعوبكم حولكم؟!. ألا يدعونا هذا للاستنجاد بكل العالم لحماية أنفسنا كشعوب قبل وقوع الواقعة المرسومة لنا في الاستراتيجيات الجديدة؟.. أم ننتظر كالعراقيين حتى يبدأ التدمير والهروب الجماعي؟.. لم أجد ما أقوله أو أكتبه أكثر من هذه الكلمات بعد أسبوع طويل قضيته في متابعة انعكاسات نشر ويكيليكس وثائق البنتاجون السرية التي توثق تفاصيل الجحيم العراقي وجرائم المحتلين في العراق، وهي لشدة قذارتها باتت تقلق الإدارة الأمريكية خوفاً على أمن وسلامة جنودها في العراق، وليس ندماً ورغبة في الأسف!!. المصدر: اخبارالخليج 27/10/2010