مع التسليم بأن الحركة الشعبية على أية حال قد عقدت العزم تماماً على إنشاء دولة الجنوب المرتقبة، فان هذه في حد ذاتها مشكلة اذ أنه وعلى الرغم من كل شيء ورغم أهمية الوحدة وضروراتها الا أن أحداً لن يحول دون تحقيق رغبات المواطنين الجنوبيين اذا كانوا يرغبون في دولة مستقلة. غير أن هذه في الواقع ليست المشكلة وإنما المشكلة تتمثل في عناصر العداء، والمعطيات غير الودودة التي تزمع الحركة الشعبية إقامة دولتها على أساسها ويأتي في مقدمة ذلك أولاً استجلاب الحركة الشعبية للموساد الإسرائيلي لكي يكون له موطئ قدم في الجنوب. صحيح ربما لم يكن نهج الحركة وتوجهاتها ليتأثر بنهج إسرائيل وكونها دولة معادية لدول المنطقة، ولكن بالمقابل فان إسرائيل دون أدني شك اخطر جرثومة فاتكة بالوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي وقد رينا كيف عاشت فساداً في عمق القارة الإفريقية حيث تغذي النزاعات وتنشر السلاح وتؤلب القبائل على بعضها وقد رأينا أيضاً كيف احتفظت الأممالمتحدة بتقرير سري للغاية أعدته وكالاتها المتخصصة عن الدور الإسرائيلي البشع في نشر السلاح واهاجة النزاعات القبلية والعرقية في إفريقيا ولاشك أن الجنوب السوداني يعج بمئات القبائل وهو مرتع خصب بالنسبة لإسرائيل لكي تلعب وتتلاعب ما شاءت بهذا النسيج القبلي. أن الحركة بفتحها المجال واسعاً للعبور الإسرائيلي تحت زعم تدريب الجيش الشعبي والاستخبارات إنما تفتح الباب للقضاء على سلامة البنية السياسية والاجتماعية لها ومن ثم تصدير هذا العنف الى الدول المجاورة وهذا هو هدفها الاستراتيجي الذي يقوم على شغل الدول المجاورة لها بمثل هذه النزاعات وإضعافها إلى أدني حد. من جانب ثان فأن الحركة أيضاً تتجه لاستضافة الحركات الدارفورية المسلحة وهذا أيضاً معناه أنها تستهل علاقاتها بالشمال بخميرة عكننة وعدم استقرار امني ولن يكون في ذلك أي بادرة لحسن الجوار. من جانب ثالث فان الحركة الشعبية أيضاً وضعت مخططات لإثارة منازعات حدودية مزمنة مما قد يجرها الى حرب مع الشمال وهو ما أكده مندوب السودان الدائم في مجلس الأمن الأسبوع الماضي ولعل الحركة تراهن هنا على سلاحها المكدس، وتعطشها للانتقام من الشمال جراء مرارات قديمة لم تستطيع الخلاص منها. وأخيراً فان الحركة – حتى في خطابها السياسي ولإعلامي هذه الأيام – تؤسس لعداء غير مبرر بينها وبين الشمال مما يفهم منه وكأن قيام الدولة الجنوبية الهدف الأساسي منه هو النيل من الشمال وإضعافه. دولة بهذه المعطيات والخلفيات هي دون شك مشروع لدولة فاشلة، فالذي يبحث عن الحرب والمنازعات والعداء لا يمكن أن يبني دولة ناجحة تريد التعايش مع الآخرين وهذا هو الأمر المقلق بحق وحقيقة!!