مع صيرورة موعد الاستفتاء الخاص بجنوب السودان كالموعد المقدس و فى ظل الإصرار الأعمى غير المبرر للحركة الشعبية على قدسية الموعد دون النظر لأي اعتبارات أخري ، فان صوت مفوضية الاستفتاء يبدو قد راح فى الزحام، ومن الممكن ان يروح هدراً ويدفع السودان ثمناً باهظاً جراء ذلك. ففي تصريحات صدرت عنها أواخر الأسبوع الماضي قالت مفوضية الاستفتاء انها تري ان قيام الاستفتاء فى موعده أشبه بالمعجزة و عدَّدَ رئيسها البروفسير محمد إبراهيم خليل أسباباً عديدة أهمها المواعيد المنصوص عليها فى قانون الاستفتاء نفسه ، والتى تتناقض وتتضارب مع المدة المتبقية الآن حوالي الشهرين و كذلك التمويل، والذي تقاعس المانحون عن الإيفاء به بحسب ما وعدوا. و إذا جاز لنا ان ندع التمويل جانباً باعتبار ان إيجاد حل له ممكن على أية حال، فان من الصعب ان يتجاهل اى عاقل الجداول الزمنية المقررة للعملية . و قد يسأل سائل و ما أهمية هذه الجداول الزمنية طالما أن مفوضية الاستفتاء يمكنها ان تتجاوز بعضها و تتم العملية تحت مسئوليتها ؟ والإجابة فى غاية البساطة و هى أن القانون فى هذه الحالة واجب الاحترام ، فهو الذى وضع هذه الجداول و وضع كلمات و عبارات تفيد الوجوب بما يعني استحالة تجاوزها ،و قد نص القانون على ذلك طبعاً حتي يكسب العملية احتراماً قانونياً لأنها عملية مصيرية بالغة الأهمية و الحساسية و لا مجال فيها لمخالفة القانون. وإذا جاز للمفوضية - بحسب تقديراتها- مخالفة القانون ، فان من حق اى شخص أو جهة ان تقدم طعناً قانونياً على الفور أمام القضاء و لن يجد القضاء مناصاً – فى ظل النصوص الواضحة – من الحكم بعدم صحة الإجراءات. و اذا ما صدر حكم قضائي من أى محكمة سودانية مختصة بعدم صحة أى إجراءات جرت فى الاستفتاء فى أى مرحلة فذلك معناه - ببساطة شديدة - إبطال ما تم من إجراءات ومن ثم انهيار العملية برمتها ، و الأهم من كل ذلك ثبوت فقدان المفوضية للاحترام ،وهو أمر لا أحد يرغب فيه . وهكذا فان غض الطرف عن ما تطلبه المفوضية و ما تشير إليه من مصاعب تواجهها هو فى الوقع من قبيل الاستهانة بإجراءاتها و زرع المشاكل و التعقيدات مسبقاً ، إذ انه ما من مانع يمنع من إيلاء مطالبات المفوضية الاهتمام المطلوب و محاولة الوفاء بما تطلبه و إذا كان الاستفتاء أمر مصيري يُراد له ان يتم بصورة مرضية للجميع دون ان يتأثر طرف بخطأ، أو مخالفة للقانون ، فان من حسن إدارة الأمور الالتفات الى ضرورة ان يتم كل ما تقوم به المفوضية وفقاً للقواعد و النصوص الواردة فى قانون الاستفتاء و بالصورة التى رسمها المشرع ، وإلا كانت النتيجة الحصول على استفتاء متنازع عليه ولا يقبله أحد !