في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أعلنت قيادات بارزة من حركة العدل والمساواة انسلاخها، وقادت انشطاراً جديداً، وبطبيعة حركات دارفور في إنقساماتها، أطلقت المجموعة الخارجة على نفسها اسم حركة جيش تحرير السودان القيادة العامة، متخلية عن كلمة الميدانية حيث كانت هذه المجموعة قبل التحاقها بحركة العدل والمساواة تسمي نفسها حركة جيش تحرير السودان القيادة الميدانية ، والتعبير الأمثل لحالة الحركة الجديدة التي ولدت في راهن متغير في السودان ودارفور عبّر عنه رئيسها آدم علي شوقار في المؤتمر الصحفي الذي عقد في العاصمة الإثيوبية معلناً فيه انسلاخه وإطلاق حركته الجديدة «نحن والعدل والمساواة من نفس الغابة ونعرف من له القاعدة الشعبية والعسكرية..نحن مطمئنون ونعرف أنفسنا»..!! صحيح كل حركة تقول عن نفسها ما تريد، لكن واقع الأحداث في دارفور ومشهدها السياسي يجعل من كل قطع اللعبة الجارية تتساوى في الفرص وتتقاطع في الطرق. القصة بدأت منذ ما يقارب العام عندما وجدت قيادات بارزة في حركة العدل والمساواة خاصة الأمين السياسي آدم علي شوقار وأعضاء في المكتب التنفيذي للحركة وقيادات عسكرية ميدانية وممثلي الحركة بمكتبها في تشاد ورموز معروفة في حلبة الصراع الدارفوري، وجدت أنفسها هذه المجموعة في مواجهة حقائق لا يمكن التغاضي عنها وتجاوزها داخل حركة العدل والمساواة وكيفية إدارتها والطريقة التي تتعامل بها قيادة العدل والمساواة مع قضية دارفور والقضايا التنظيمية الداخلية والأموال التي تحصل عليها وعلاقاتها الخارجية والأفق الذي تفكِّر به وتنظر منه للقضية الشائكة المعقدة. فطوال هذه الفترة كانت هذه المجموعة تدخل في حوارات ونقاشات داخلية مع قيادة العدل والمساواة بغية إصلاح مسارها وتصويبها نحو الأهداف التي توافقوا عليها، وباءت كل تلك المحاولات بالفشل الذريع وطاشت السهام وخاب المسعى، ولم يكن من بُدٍّ غير الخروج والمفارقة التي تمت وأعلن عنها في أديس أبابا. ظلت هذه المجموعة تلملم أطرافها وتتحاور مع أطرافها وكوادرها في الداخل وفي الخارج من تشاد لإرتريا إلى ليبيا ثم مصر وقطر ونيجيريا وبنين وغيرها من المهاجر المختلفة التي توجد فيها عناصر الحركات المسلحة وتتخذها ملاذات ومأوى ومنصات تحرُّك. المؤتمر الصحفي عقد في التاسع من الشهر الجاري بفندق هيلتون أديس أبابا بإثيوبيا، دعيت له الصحافة المحلية من الخرطوم والتلفزيون القومي والإذاعة السودانية ووكالات الأنباء العالمية ومراسلي القنوات الفضائية وعديداً من الصحف والإذاعات الإفريقية والعالمية الموجودة بمراسليها في العاصمة الإثيوبية. أُعِدَّ للمؤتمر الصحفي بعناية فائقة من حيث الترتيب والتنظيم وحرصت قيادات الحركة الجديدة على الظهور بمظهر لائق في تنظيم المؤتمر ودقة المعلومات المقدمة فيه وحسن إدارته، كما حرصت على الجانب الشكلي من حيث الخلفية الضخمة التي عليها اسم الحركة والغرض من المؤتمر الصحفي، وظهر الجميع في مظهر يدل على الدربة والممارسة لهذا النوع من النشاط الإعلامي السياسي. آدم علي شوقار رئيس الحركة والأمين السياسي السابق للعدل والمساواة، وهو معلم قديم ثم قانوني وأستاذ جامعي وناشط سياسي وعسكري خلال الثلاثين عاماً الماضية في دارفور وما بين السودان وليبيا وتشاد، دخل القاعة بهدوء غريب، وجلس في وسط المنصة بجانبه سيف النصر التجاني هرون الأمين السياسي للحركة الوليدة وعضو المكتب التنفيذي بالعدل والمساواة قبل الافتراق، بجانب الناطق باسم الحركة وبعض قياداتها بينما اصطف حرس وسكرتارية رئيس الحركة. حديث شوقار كان مباشراً كشف عن حنكته السياسية في التعريف بمواقفهم وحركتهم الجديدة وأسباب خروجهم على العدل والمساواة وكان يتحدث بوضوح واضعاً كل المعلومات أمام الصحافيين ووسائل الإعلام، تناول قضايا السودان المختلفة وقضية دارفور مركزاً على أنهم يطرحون مشروعاً سياسياً للحل يجلب السلام ويعزز الاستقرار ويحقن الدماء، وقدم ملامح من مشروع المصالحة الذي يدعو له لتجنيب البلاد مخاطر التشرذم والحروب وتجاوز معضلة المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الإفريقية وغيرها من أسباب تدويل قضية دارفور، وشرح برنامج الحركة للسلام ولماذا رفضت العدل والمساواة أفكارهم التي كانت تقود لحل نهائي بدلاً عن مواصلة الاقتتال وطلب من الجميع الحكومةالسودانية ودول الجوار والمجتمع الدولي دعم برامج حركته والوقوف معها من أجل بناء السلام والطمأنينة في دارفور. وطالب الحكومة بالجدية والوضوح والسير نحو تحقيق السلام. وقال إن الوطن في خطر ولحظة السلام جاءت ولابد من تناسي الماضي بمراراته وكشف عن اتصالات سياسية مع قيادات في حركات دارفور من أجل مشروع مصالحة عامة في دارفور وإنتهاج الحوار وسيلة لتحقيق الأهداف والتخلي عن البندقية. بعدها قدّم سيف النصر تجاني هرون الأمين السياسي للحركة البيان السياسي كُشفت فيه معلومات مهمة عن أسباب خروجهم عن العدل والمساواة، خاصة ما يتعلق بارتباطها بالأجندة الخارجية لدول معادية وعمليات التصفية الجسدية للقيادات السياسية والعسكرية كما حدث لأبناء الميدوب في أم جرس، وارتهانها للمؤتمر الشعبي الذي يحركها ويديرها لتصفية خصوماته السياسية ولنشر الفوضى والاضطراب في البلاد، وحقائق عن التجنيد القسري للأطفال مثل الذين تم جلبهم لمحرقة أمدرمان في 20008م، وكيفية التصرف في أموال الحركة بواسطة خليل وأقربائه، والكيفية التي تدار بها من خلال ثلاثة مكاتب واحد معلن ومكتبان في الخفاء يتم من خلالها التحكم في شأن الحركة واتخاذ القرارات الرئيسة والمصيرية. بالإضافة لما أُفصح عنه عن عدم رغبة العدل والمساواة في السلام وتحقيقه ومناوراتها المتكررة وتعويقها لمفاوضات الدوحة، وذلك بسبب أن خيارها الإستراتيجي هو الاستمرار في الحرب وعدم تمتين دعائم الطمأنينة في دارفور. نبرة حزن عميقة تحدث بها شوقار عن أطفاله وأسرته بالخرطوم التي لم يرها منذ 2003م وظل لسبع سنوات في التمرد والحرب والمفاوضات، وقال الذي يمكث سبع سنوات في الميدان ثم يأتي للسلام لا يمكن أن يلعب لعبة خاسرة ...! رفض شوقار وقادة الحركة الآخرون أية مناصب سياسية في حال التوصل لاتفاق مع الحكومة وقالوا إذا لم يرجع اللاجئون والنازحون لقراهم ومناطقهم وتحل قضايا دارفور لن ولا نريد مناصبَ، نحن نريد السلام من أجل أهلنا هناك. لم يحدد شوقار موقف حركته من الإقليم الواحد بشكل قاطع وقال الأمر متروك للحوار ولأهل دارفور ليختاروا بين الإقليم أو الولايات القائمة الآن. أعلنت الحركة التهدئة ووقف العدائيات لمدة شهرين، لكنها هدّدت العدل والمساواة تهديداً مباشراً لتوقعات برد فعل عنيف وقال رئيس الحركة «إذا ردُّوا بالكلام فلنا رد وإذا حاولوا بأسلوب آخر فهم يعرفوننا جيداً..». الردود عن أسئلة الصحافيين كانت محكمة وحكيمة وواضحة خالفت الحذر السياسي وكانت بعيدة عن المداراة وحجب الحقائق. لم يتم تحديد أي موعد لبدء مفاوضات مباشرة مع الحكومة للتوصل لاتفاق سياسي لكن الحركة جاهزة لساعة التوقيع والعودة للعمل السياسي من الداخل. نقلاً عن صحيفة الانتباهة 13/11/2010م