منذ أن غرس الاستعمار البريطاني أزهار الشر في جنوب السودان في استراتيجية أسماها "المناطق المقفولة" ظل انفصال الجنوب رهاناً مؤجلاً إلى أن تم توقيع اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية عام 2005 التي جعلت الرهان المؤجل واقعاً محتوماً يمنح الجنوب حق تقرير المصير في الاستفتاء المزمع إجراؤه في التاسع من يناير القادم. لقد بذلت الإدارة البريطانية جهوداً مكثفة وعلنية من أجل فصل الجنوب قبل رحيلها، فقد أصدرت قانون المناطق المقفولة عام 1922 ثم سياسة الجنوب عام 1930، وكان الغرض من تلك السياسات والاستراتيجيات إيجاد فصل تام بين الشمال والجنوب في ما كان يعرف بسياسة "فرّق تسد". وكان من بين أهداف تلك الاستراتيجية المعلنة إيجاد حواجز مادية ونفسية تفصل جنوب السودان عن شماله ضمن البنود التالية: منع التواصل الحقيقي بين الشمال والجنوب. ترحيل جميع الموظفين الشماليين الذين كانوا يعملون في الجنوب من إداريين وفنيين بالشمال. إجلاء المسلمين الجنوبيين من موطنهم وترحيلهم للشمال. منع استخدام اللغة العربية وتشجيع اللغة الانجليزية للتخاطب بين الجنوبيين. حظر جميع مظاهر الهوية الإسلامية والعربية بما في ذلك الأسماء العربية والزي الشمالي. تغيير أسماء الجنوبيين العربية وإرغامهم على إبدالها. إلغاء تدريس اللغة العربية في المدارس الجنوبية. تشجيع التبشير وبناء الكنائس على نحو كثيف، وعندما نال السودان استقلاله عام 1956، نشبت الحروب والقتال بين الشمال والجنوب نتيجة لثمار استراتيجية "فرق تسد" وحتى الاتفاقيات التي تم توقيعها عبر الحقب المختلفة لم تدم طويلاً نتيجة لبذور الشقاق التي ظل الاستعمار وحلفاؤه يغذونها ويؤججونها على الدوام. الآن وبعد أن تم توقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005، انهمك الجنوبيون في الاستعداد للانفصال وظلوا يعملون في الخفاء باستخراج بطاقات الهوية للجنوبيين في مدن وبلدات الجنوب، الأمر الذي هيأ لهم أن تجرى عمليات التسجيل للاستفتاء بصورة أكثر كثافة مما هو حاصل في الشمال. أما في الشمال فقد بدأت الحكومة السودانية متأخرة في تسجيل الجنوبيين، وعمليات التسجيل سارت وتسير بصورة فاترة، لأن الجنوبيين في الشمال سارت لديهم بطاقات هوية، وربما شجعهم ذووهم بعدم التسجيل للاستفتاء خوفاً من تزوير الشماليين لنتائج الاستفتاء. أزهار الشر التي بذرتها حكومة صاحبة الجلالة البريطانية أوشكت أن تتبرعم وتزهر وروداً كألوان الزهر، وإنما أعشاب للشر يهدد الشيطان روحها المسحورة، وعيونها الوحشية، وفوق جبينها زنبقة مبللة باللوعة والحسرة، وفي خدودها وردة لخريطة دولة في سبيلها إلى الزبول والتلاشي. المصدر: الشرق القطرية 21/11/2010