حرمتنا أزمة دارفور ومذكرات محكمة الجنايات الدولية من المشاركة في القمة الأوربية –الأفريقية المنعقدة في طرابلس ،وليس في الأمر عجب ،فأوربا هي صاحبة القدح المعلي في أنشاء تلك المحكمة التي حمل قانونتأسيسها اسم احدي عواصم إمبراطورياتها القديمة "ميثاق روما "وفي كل الأحوال فان السودان لم يخسر الكثير بغيابه عن هذه القمة بين القارة العجوز ومستعمراتها السابقة ،فحال أوربا اليوم وسط هذا التزاحم والتهافت الدولي علي خيرات القارة البكر ،كحال عجوز هرم يحاول التوكؤ علي أكتاف ضحاياه السابقين ،الذين لا يرون غضاضة بروح الكرم والتسامح الأفريقي ف مساعدة ذلك الشيخ العاجز برغم كل ما اقترفه من موبقات في حقهم أو أن شبابه وسطوته . فموضوع القمة الأساس هو محاولة أعادة أطلاق "شراكة اقتصادية متعثرة بدأت بقمة لشبونة 1977،بسلسلة معاهدات واتفاقات ظلت حبرا علي ورق منذ ذلك التاريخ ،ما دعا العقيد القذافي لإبلاغ ضيوفه في كلمة الافتتاح –بصراحته المعهودة –بفشل هذه الشراكة ،ودعاهم إلي تعاون يتسم بالندية وقال "إذا فشل التعاون بين أوربا وأفريقيا نستطيع أن نتوجه إلي أي كتلة أخري مثل الصين وأمريكا الجنوبية والشمالية وأي كتلة تحترم نظمنا وثقافتنا ولا تتدخل في شؤوننا "،والإشارة هنا واضحة من جانب العقيد إلي المطالبات الأوربية لدول القارة لتبني النهج الديمقراطي كأساس لشرعية الحكم والي احترام حقوق الإنسان كوسيلتين مضمونتين لاستدامة علاقة الشراكة الاقتصادية .وإذا ما استبعدنا "البعد المثالي " للدعوة الأوربية للديمقراطية وحقوق الإنسان ،وهو ما لم تفعل أوربا وحليفتها أمريكا الكثير من اجل انجازه ،فان لأوربا مشكلة ماثلة لم تجد لها حلا مع أوضاع الحكم القائمة في معظم دول القارة التي أصبحت "منطقة طاردة "تدفع بآلاف الشباب يوميا زرافات ووحدانا باتجاه أوربا طلبا للنجاة من القهر أو البطالة ،ما جعل "قضية الهجرة "غير المشروعة احدي المشكلات التي تقلق أوربا ،فأصبح من بين اهد1ف الشراكة مع أفريقيا هو أن تصبح دول القارة خصوصا تلك المشاطئة للبحر المتوسط درعا واقيا وحارسا يحميها غوائل الهجرة التي تؤرق ليلها . أما العلاقات التجارية بين القارتين فهي قائمة منذ فجر التاريخ ،وعهود الاستعمار ،وتلخصت أخيرا في تبادل تجاري حيث تستورد أوربا 37%من احتياجاتها ي شكل مواد خام وطاقة من أفريقيا ،بينما تستورد أفريقيا 30%من احتياجاتها من السلع ألمصنعه من أوربا وهي "قسمة ضيزي "بالنظر إلي أسعار السلع ألمصنعه مقارنة بقية المواد الخام .ولم يري القذافي حرجا في أبلاغ الأوربيين أن ((اتفاقات الشراكة الاقتصادية التي يتفاوض الاتحاد الأوربي بشأنها مع الدول الإفريقية لم تساهم في التنمية الاقتصادية والزراعية ،بل أدت علي العكس إلي تراجع مستوي المعيشة والصادرات الإفريقية إلي أوربا ))! رئيس الاتحاد الأوربي هرمان فان رومبوي كان أكثر تفاؤلا في الجلسة الافتتاحية من العقيد القذافي ،فقد رأي أن انعقاد قمة طرابلس بحد ذاته يمثل "أشارة قوية "في الاتجاه الصحيح ،وان "الاتحاد الأوربي وأفريقيا مدعوان للتعاون وانتهاز الفرص التي تؤمنها إمكاناتنا المتضافرة الهائلة "وهي محاولة واضحة لتخفيف وقع الإحباط الذي إشاعته صراحة القذافي ،التي تجاوزت الحديث عن الشراكة الاقتصادية إلي القيم والمفاهيم السياسية ،فقد ابلغ القذافي مستمعيه الأوربيين –مثلا –أن تعريفهم للإرهاب محدود وضيق ومنحاز فقال لهم "أن القنبلة الذرية إرهاب ،وحاملات الطائرات إرهاب والصواريخ العابرة للقارات إرهاب،مثلنا "القاعدة أيضا إرهاب "وهي دعوة تستهدف إعادة تعريف" الإرهاب " الذي تتخذ منه أوربا وشركاؤها الغربيون ذريعة للتدخل في القارة وأجزاء عديدة من العالم .أما رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ فقد لجاْ إلي لغة أكثر دبلوماسية –لغة المؤتمرات الدولية والإقليمية –فعبر عن أمله في "أن يتعهد الجانبان إقامة التوازن الصحيح بين البعد السياسي والبعد التنموي في مواصلة تطبيق الإستراتيجية المشتركة "ودعا إلي "تجاوز العراقيل فورا ًمثل اتفاقات الشراكة التي يجب أن تنجز في أسرع وقت ممكن من اجل المصلحة المتبادلة "وهي الاتفاقات التي يفترض ان تحل محل "الاتفاقات التفصيلية "التي تمنحها أوربا لمستعمراتها السابقة وفق نظام يتعارض مع القوانين الدولية المرعية من قبل منظمة التجارة الدولية .فقد تسمح اتفاقات الشراكة الاقتصادية بين القارتين –أذا ما تم تطبيقها –للمنتجات الأفريقية بدخول الأسواق الأوربية بدون رسوم جمركية ولا نظام حصص ،في مقابل فتح أسواق القارة أمام المنتجات الأوربية علي فترات انتقالية تصل إلي 25عاما ،حسبما تم أقراره في مؤتمر لشبونة . اللافت أيضا في هذه القمة هو غياب قادة اكبر واهم الدول الأوربية بريطانيا وفرنسا وألمانيا ،وهو غياب لم يستبين المراقبون أسبابة بعد ،هل كان هو احتمال مشاركة الرئيس السوداني في القمة الذي أعلن في اللحظة الأخيرة عدم توجهه إلي ليبيا ،ذلك الإعلان الذي رافقه إعلان أخر من الخارجية السودانية بان السودان طلب رسميا أرجاء اجتماع مجلس السلم والأمن للاتحاد الأفريقي المقرر عقده علي هامش القمة الأوربية الأفريقية وهو طلب لم يستجب له الاتحاد الأفريقي علي كل حال ،حيث أعلن رمضان العمامره مفوض السلم والأمن في التحاد لوكالة الأنباء الفرنسية أن اجتماع المجلس المقرر الثلاثاء (أمس )سيعقد في الموعد المحدد مع ختام القمة الأوربية –الإفريقية .وهو إصرار غريب بالنظر إلي إن قضايا السودان –الجنوب ودارفور والاستفتاء –يجب أن تكون في صدارة أجندة الاجتماع .من بين موضوعات القمة الأوربية –الإفريقية ،موضوع المناخ بحيث رفض القادة الأفارقة إعلانا مشتركا مع الاتحاد الأوربي يتعلق بالتغير المناخي ،اعد بواسطة الجانب الأوربي ،في وقت افتتح فيه بكنكون في المكسيك المؤتمر العالمي حول المناخ .فقد رأي القادة الأفارقة أن "الوثيقة "تعكس وتركز علي الأولويات الأوربية وليست الإفريقية فأصبح الإعلان بذلك موضوعا أخر للخلاف . المحصلة انه ليس هناك ما يبشر أو يشير إلي أن القمة الأوربية –الأفريقية ،ستنتهي إلي قرارات أو خطط تؤثر في واقع العلاقات بين القارتين ،وهي تعكس المخاوف التي تعتري الاتحاد الأوربي من التدافع الدولي شرقا وغربا وجنوبا نحو القارة البكر طمعا في مواردها الهائلة ،والتي تري أوربا أنها الأحق بها بحكم التاريخ الاستعماري الذي ربطها بأفريقيا ،وبحكم الجوار الجغرافي الذي يجعلها تستنكر وتستنكف استحواذ الأبعدين علي تلك الخيرات غير المقطوعة ولا الممنوعة ،خصوصا وهي لا تزال الشريك التجاري الأكبر لأفريقيا وتأمل في المزيد نقلا عن صحيفة أخر لحظة بتاريخ 1/12/2010م