بكري المدنى يكتب: المسيرات والخيارات    معلومات مهمّة لمسؤول سكك حديد السودان    تحذير خطير..الألغام تهدد طريق رئيسي وتحاصر 3 مناطق في السودان    الطاهر ساتي يكتب: لو كان يساوم ..!!    حي العرب بورتسودان يُكوِّن القطاع الرياضي ولجنة تأهيل وصيانة الميز    فوز المغرب والنهب والسرقة وغياب الضمير..!!    المريخ يختبر جاهزيته أمام العساكر    بالصورة والفيديو.. وجدوه بعد سنوات من البحث عنه.. شاهد: لقاء مؤثر بين معلم سوداني وتلاميذه السعوديين الذين قام بتدريسهم قبل أكثر من 40 عام    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي: (أنا ما طيبة ومافي زول مالي عيني.. أي فنان أو فنانة يقول هو صاحب الجميع قول ليهو هدى قالت انت منافق ولماذا تسألوني عن علاقتي بإيمان الشريف تحديداً؟)    شاهد بالفيديو.. سيد الخطيب يفك طلاسم الطلقة الأولى في الحرب ويكشف حقائق جديدة    شاهد بالفيديو.. "ما بشيلها أبوي بدقني بقول لي أداك ليها منو" طالب سوداني في مرحلة الأساس يرفض إستلام حافز مالي بعد مقولته الشهيرة في الحصة: (أتبرع لأمي بكليتي وأنا أموت وأمي تعيش)    بالصورة والفيديو.. وجدوه بعد سنوات من البحث عنه.. شاهد: لقاء مؤثر بين معلم سوداني وتلاميذه السعوديين الذين قام بتدريسهم قبل أكثر من 40 عام    شاهد.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (نجوت من 3 محاولات اغتيال في نيالا والدور على عمر جبريل.. الضابطة "شيراز" زوجت إبنتها التي تبلغ من العمر 11 عام لأحد قيادات الدعم السريع والآن مستهدفة لهذا السبب)    شاهد بالفيديو.. سيد الخطيب يفك طلاسم الطلقة الأولى في الحرب ويكشف حقائق جديدة    لمن يدَّعون أن الجيش عجز عن صد مسيرات مليشيات الدم السريع الإرهابية    والي الخرطوم يبحث مع نائبة المفوض السامي لشئون اللاجئين قضايا اللاجئين وخطة الولاية لترحيل الأجانب    3 أندية سودانية تطلب الانضمام للدوري الرواندي    إحباط تهريب مواد كيميائية وبضائع متنوعة بولاية نهر النيل    قوات الدفاع المدنى تنجح فى إنتشال رفاة جثتين قامت المليشيا المتمردة بإعدامهما والقت بهما داخل بئر بمنزل    تحذير من تموضع حوثي عبر غطاء إيراني قرب السواحل السودانية    ترامب: نهاية حماس ستكون وحشية إن لم تفعل الصواب    البرهان يزور مطار الخرطوم الدولي ويؤكد عزم الدولة على القضاء على التمرد    تقرير: السودان تحول من مرحلة أزمة العملة إلى "ما بعد العملة"    وفاة الكاتب السوداني صاحب رواية "بيضة النعامة" رؤوف مسعد    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    إيران تلغي "اتفاق القاهرة" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    وزارة الدفاع الكولومبية تعلن دعم مشروع قانون يحظر أنشطة المرتزقة في البلاد    محمد صلاح ليس وحده.. 5 أسباب وراء انهيار ليفربول    بدء عمليات حصاد السمسم بالقضارف وسط تفاؤل كبير من المزارعين    دولة أجنبية تحاول زعزعة منتخب السعودية    ترامب يتوعد: سنقضي على حماس إن انتهكت اتفاق غزة    ( "لينتي" كفكفت من عيني دمعات الليالي وجدتُ نفسي غارقا في الحب عاشقاً، محباً ومُريدا).. شاهد ماذا كتب العريس أحمد العربي لزوجته لينا يعقوب في أول يوم لهما بعد نهاية حفل زواجهما الأسطوري    القضارف.. توجيه رئاسي بفك صادر الذرة    المريخ يرحب بإقامة قمة في بنغازي تكريما للجمهور السوداني    أسطورة ليفربول مهاجماً صلاح: يجب رميه في الدكة    مدير شرطة اقليم الأزرق يثمن جهود إدارة المباحث الجنائية المركزية بالاقليم في كشف غموض العديد من الجرائم    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط عدد( 74) جوال نحاس بعطبرة وتوقف المتورطين    أسعار الذهب إلى أين؟    بعد أدائه القسم في «الشيوخ».. ياسر جلال يستعين ب مشهد كوميدي ل «مرجان أحمد مرجان»    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    حكومة الجزيرة تدعم مركز القلب بمدني بمولد كهربائي 550 KV    وزير الخارجية المصري: ننسق مع السعودية لإنهاء الحرب في السودان بسرعة    الرئيس التركي: الصراع في السودان"يؤلمنا بشدّة"    القبض على الفنانة عشة الجبل    محافظ بنك السودان المركزي تلتقي مديري عموم المصارف وتؤكد على الإصلاح المؤسسي واستقرار النظام المصرفي    تطوّرات مثيرة في جوبا بشأن"رياك مشار"    إيقاف جميع التعاملات النقدية في ولاية سودانية    هكذا جرت أكاذيب رئيس الوزراء!    جريمة اغتصاب "طفلة" تهز "الأبيض"    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    وزير الصحة يشارك في تدشين الإطار الإقليمي للقضاء على التهاب السحايا بحلول عام 2030    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    الاقصاء: آفة العقل السياسي السوداني    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التكتل الأوربي: رؤية تحليلية للدور والتداعيات في المشهد الدولي عقب نفاذ اتفاقية لشبونة
نشر في الصحافة يوم 27 - 02 - 2010

فى اليوم الاول من شهر ديسمبر 2009 اى قبل اسبوع من الآن دخلت اتفاقية لشبونة حيز التنفيذ، بعد ان صادقت عليها جميع الدول الأعضاء فى الاتحاد الاوربى «سبع وعشرون دولة» كانت آخرها جمهورية الشيك، وبهذا يكون التكتل الاوربى قد اكمل آخر مراحل عملية التحول التدريجي، من تكتل اقليمى الى تكتل يطمح فى لعب دور متعاظم فى المشهد الدولى ومواجهة التحديات الدولية الراهنة بمنهج اكثر طموحا ونفوذا وتماسكا وتنسيقا على مستوى السياسة الخارجية، وعن طريق الضغط من خلال آليات التعاون التنموى والمساعدات الدولية الرسمية، لتمرير سياساته ومبادئه وقيمه فى مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد وسيادة القانون.
اتفاقية لشبونة التى تم التوقيع عليها بواسطة رؤساء حكومات دول الاتحاد الاوربى ال «27» فى عام 2007م وتمت المصادقة عليها فى نوفمبر 2009م ودخلت حيز التنفيذ فى مطلع ديسمبر 2009م، شملت تعديلا فى جوهر وظائف التكتل ضمن الاتفاقيات السابقة المؤسسة للتجمع الاوربى خاصة اتفاقية امستردام ونيس. وتجىء الاتفاقية لتضخ قوة دفع جديدة فى وظائف الاتحاد الاوربى وتفعيل دوره، والعمل على تحديثه واصلاحه للعب دور اكثر طموحا فى المشهد الدولى.
ولتأمين لعب ذلك الدور بفاعلية مع الشركاء الآخرين، رسمت الاتفاقية هيكلا قياديا واسع الصلاحيات بقواعد راسخة فى اتخاذ القرار خاصة فى مجال السياسة الخارجية والدفاعية والامنية، ورئاسة تتعدى الفترة الحالية الى عامين ونصف بسلطات ونفوذ كبير، لاحداث ذلك التغيير وبمؤسسة قائمة بذاتها ممثلة فى مجلس الاتحاد الاوربى الذى يداوم فيه رئيسه بشكل دائم عكس ما كان سابقا، اذ كان دور الرئاسه تنسيقيا فقط وبشكل تعاقبى فترة ستة اشهر للرئاسة لكل دولة من الدول الاعضاء. وقد وضعت الاتفاقية فى أعلى هرم التكتل موقعين قياديين مهمين لادارة دفة التكتل، موقع رئيس المجلس الاوربى الذى اختير له رئيس وزراء بلجيكا السيد/هيرمان فان رومبى بنفوذ وحراك دبلوماسى كبير بتنسيق اكبر على مستويات مختلفة خارجيا مع مفوضيات الاتحاد الاوربى التى سوف تلعب بعد فترة سريان الاتفاقية دورا محوريا بتكامل وتنسيق كبير مع بعثات الدول الاعضاء فى الاتحاد الاوربى لتنفيذ تلك السياسة، خاصة فى مجال التعاون التنموى والمحور التجارى القضايا الأكثر حساسية واهمية بالنسبة للدول النامية والاقل نموا، ثم موقع الممثل الاعلى للشؤون الخارجية والسياسة الامنية للاتحاد الاوربى الذى عينت فيه البارونة كاثرين اشتون «بريطانية» التى كانت تشغل منصب المفوض التجارى بالمفوضية الاوربية.
الدور التصالحي لبلجيكا هو الامتياز لنيل رئاسة التكتل:
كانت بريطانيا وبعض الدول الاوربية تفضل أن يكون الشخص المرشح للرئاسة ذا قدرات سياسية كبيرة لاحداث تغيير جوهرى فى دوائر الفعل العالمى، وكانت حظوظ تونى بلير هى الاوفر، الا ان ترشيحه واجهته عدة مشاكل ابرزها دعمه ودوره فى حرب العراق، ورفضه من قبل اليسار الاوربى، فضلا عن انه لم يجد السند والدعم من كل من الرئيس الفرنسى ساركوزى والمستشارة الالمانية انغلا ميركل، وهذا ما زاد من حظوظ رئيس وزراء بلجيكا هيرمان فان رومبى الذى تم الرجوع اليه باعتباره خيارا توافقياً، إذ لم يكن ذلك الشخص ذا الوزن والنفوذ السياسى من بين المرشحين ولا حتى لثقل بلجيكا السياسى. ومن بين الاسباب فى اختيار رئيس الوزراء البلجيكى دوره الكبير فى توحيد بلجيكا بعد الازمة السياسية التى كادت تعصف بها وتحيلها لاكثر من دولة، نتيجة محاولة استقلال الاقليم الفلامنكى عن بلجيكا التى حينها استقالت الحكومة البلجيكية السابقة واصبحت بلجيكا بلا حكومة لمدة ستة اشهر خلال عام 2008م، فقط كانت تحكمها المؤسسات والتكنغراط كأروع مثال لحكم المؤسسات المدنية فى النظم الديمقراطية المستقرة. وفى نهاية ديسمبر 2008 طلب ملك بلجيكا البرت الثانى من هيرمان فان رومبى تشكيل حكومة جديدة وقبول منصب رئيس الوزراء، باعتباره من الشخصيات الوطنية المتصالحة. وحينها قبل رومبى الموقع رئيسا لوزراء بلجيكا من الفترة 30/12/2008 حتى 30/11/ 2009م، داعما لوحدة بلجيكا من الانزلاق نحو التشظى. وقد قدرت الدول الاوربية خاصة فرنسا والمانيا هذا الدور الذى استطاع فيه رومبى العمل على وحدة وتماسك بلجيكا وبقاء التكتل موحدا، وكانت ابلغ رسالة هى الإصرار على عدم تشظى التكتل الاوربى وجعله نموذجا للتوحد والانصهار. فهل يمكن أن يكون هذا الدرس ذا دلالة وبلادنا اليوم تتجاذبها العواصف من كل حدب والسفينة تبحر نحو الاستقرار، ويابسة الوحدة التى يعلق عليها كل وطنى غيور آمال التوحد والتعايش والسلم والامان من اجل سودان قوي يسع الجميع بدون فوارق وتمييز؟
تسييس التعاون التنموي وتداعياته على الدول النامية:
استبق دخول الاتفاقية حيز التنفيذ جدل واسع حول دور الاتحاد الاوربى فى المشهد الدولى، وتداعيات اتفاقية لشبونة على الدول النامية ومجموعة الدول الافريقية الكاريبية الباسفيكية التى تعرف بمجموعة ال ACP التى ترتبط مع الاتحاد الاوربى وفق اتفاقية شراكة كوتونو، وقاد تنظيم تلك الفعاليات مراكز البحوث والاستراتيجيات «وأوعية الرأى» والمعاهد المتخصصة الاوربية فى بروكسل، وشارك كاتب المقال فى العديد منها، وحينها عبرنا عن مخاوفنا بشأن تسييس التعاون التنموى والمساعدات التنموية الدولية، وكان ذلك من خلال ورش العمل وجلسات الاستماع والسمنارات، ومن بين المؤسسات المعهد الاوربى للادارة العامة والمركز الاوربى لادارة سياسات التنمية الاكثر حراكا وسط دوائر اوعية الرأى الاوربى. وجاءت مخرجات تلك الورش مؤكدة على التداعيات السالبة جراء المصادقة وتنفيذ اتفاقية لشبونة على الدول النامية، وتحديدا دول مجموعة ال ACP خاصة الجانب المتعلق بالتعاون التنموى واتفاقيات التجارة، بعد أن حددت الاتفاقية فى مادتها رقم «208»: ان سياسة الاتحاد الاوربى فى مجال التعاون التنموى سوف تخضع لمبادئ واهداف السياسة الخارجية للاتحاد، اكثر من ذلك حددت الاتفاقية فى مادتها رقم «209» دورا تشريعيا وتنفيذيا واسعا للبرلمان والمجلس الاوربى للتدخل بوضع المعايير التشريعية والضوابط التى بموجبها تتم المصادقة على سياسات التعاون التنموى وتنفيذه. وهذا لم يكن موجودا ضمن اطار التعاون التنموى مع دول المجموعة سابقا، واستحدثته الاتفاقية كسياسة جديدة لتوجيه وتسييس التعاون التنموى، كما اكدت الاتفاقية على تكامل سياسات الاتحاد الاوربى فى مجال التعاون التنموى مع سياسات الدول الاعضاء فى تناغم تام يعزز كل الآخر، وهذا الوضع مؤكد لديه تداعيات خطيرة على دول مجموعة ال ACP خاصة أن اتفافية لشبونة اغفلت أية مرجعية لذكر اسم دول المجموعة الافريقية الكاريبية الباسفيكية، وبالتالى فإن أمر التعاون التنموى سوف يصبح خاضعا لتشريعات البرلمان الاوربى والبرلمانات الوطنية فى الدول الاعضاء فى الاتحاد الاوربى. وتباعا سوف تعمل الاتفاقية على تطبيق معايير جديدة بسقوف عالية للتعاون التنموى، خلاف ما نصت عليه اتفاقية شراكة كوتونو. وهذا بلا شك سوف تكون لديه تداعيات سالبة على دول المجموعة، بل وحرمانها من كل المزايا الخاصة والافضليات الممنوحة ضمن اتفاقية شراكة كوتونو، خاصة التمويل التنموى المخصص لكل دولة، وقياسه بتحقيق مطلوبات الاتحاد الاوربى فى قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان وسيادة القانون. وينتفى تماما مبدأ الشراكة المتساوية والادارة المشتركة للموارد التى اصلا كانت ضعيفة للغاية.
وكانت الصورة واضحة بالنسبة لدول المجموعة الافريقية الكاريبية الباسفيكية قبل المصادقة على اتفاقية لشبونة، فقد ظل القلق والتوجس يلازمان دول المجموعة منذ عام 2005م حتى طرح فكرة دمج موارد صندوق التنمية الاوربى فى الميزانية العامة للاتحاد الاوربى ما يسمى ب BUDGETIZATION التى تم رفضها فى كثير من المناسابات والاجتماعات الوزارية المشتركة بين دول المجموعة والاتحاد الاوربى، باعتبار ان هذا يقدح فى اهم مبادئ اتفاقية كوتونو، وهو الادارة المشتركة للموارد وبعدها عن اى جهاز تشريعى، باعتبار ان هذا ما نصَّت عليه الاتفاقية خوفا من تسييسها ووضع شروط ومطلوبات يصعب على دول المجموعة تحقيقها فى ظل الظروف الصعبة التى تمر بها تلك الدول، خاصة تأثير الأزمة المالية العالمية، ومع كل ذلك جاءت اتفاقية لشبونة لتمنح البرلمان قوة وفوق ذلك بسياسة تعمل على الربط المحكم بين الديمقراطية والدفاع والتنمية(3DS) كحزمة واحدة مطلوبة لتحقيق اهداف السياسة الخارجية، وان اية واحدة من تلك المبادئ تعزز الاخرى، بل حتى التعريف الذى هو اصلا مختلف عليه فى مفاهيم كثيرة سوف يتم تحديد معاييره وفقا للقيم الاوربية. واخيرا اصبحت سلطة البرلمان الاوربى هى الاساس فى عملية اتخاذ القرار بشأن التمويل المقدم من الاتحاد الاوربى، وسوف يتلاشى تماما دور صندوق التنمية الاوربى الآلية المعتمدة فى اتفاقية شراكة كوتونو.
وتقف ثلاثة اهداف رئيسة وراء الاتفاقية، اولها فاعلية وسرعة اتخاذ القرار، ثم مزيد من الديمقراطية من خلال دور متعاظم للبرلمان الاوربى والبرلمانات الوطنية فى الدول الاعضاء، وثالثها مزيد من التنسيق والتوحد والتماسك تجاه السياسة الخارجية للتكتل الاوربى على مستوى جميع دوله الاعضاء، وبهذا يتجه التكتل لربط اتخاذ القرار بالمؤسسات التشريعية فى تقارب كبير مع المؤسسات الامريكية، مثل ما ينحو مجلس الشيوخ الامريكى ودوره الكبير فى الرسم والاشراف على السياسة الخارجية والامنية للولايات المتحدة الاميركية. وقد منحت اتفاقية لشبونة البرلمان الاوربى سلطات جديدة، اذ تم ادخال «40» مجالا جديدا تجىء وفق قرارات مشتركة بين البرلمان الاوربى والمجلس الاوربى باعتباره منحى جديدا للقرار المشترك التشريعى والتنفيذى، وتركت للبرلمان الاوربى سلطة اتخاذ القرار، وكان القرار قبل اتفاقية لشبونة خاصة فى قضايا التعاون التنموى تقرر فيه لجنة صندوق التنمية الاوربى، ومن ثم تتم المصادقة عليه من المجلس الاوربى ويخطر فقط البرلمان الاوربى بذلك، الا ان هذا الوضع تم تعديله تماما. وتشمل المجالات الجديدة التى ادخلت، وهى من سلطة البرلمان الاوربى الزراعة، سياسات الطاقة، الهجرة والتمويل المقدم من الاتحاد الاوربى بما يشمل التعاون التنموى للدول النامية ودول المجموعة الافريقية الكاريبية الباسفيكية.
تعزيز الدبلوماسية المتعددة والحد من حراك العلاقات الثنائية:
عنصر مهم فى هذا التحول، هو انه نتيجة لهذا التغيير الكبير فإن قوة دفع العلاقات الثنائية BILATERAL RELATIONS لدول الاتحاد الاوربى سوف يحد من مفعولها، لتتقلب الدبلوماسية المتعددة للتكتل مع غالبية دول العالم، خاصة الدول النامية، وان قوة وحراك التكتل سوف يلقى بثقله الجديد للعب دور جديد فى المشهد الدولى وفق فعل خارجى وهيمنة على التعاون التنموى باعتبار ان التكتل يعد اكبر مانح دولى. وبالتأكيد فإن هذا الوضع سوف يقوى من آليات الدبلوماسية متعددة الاطراف التى تدور فى فلك التكتل الاوربى بطموح كبير لجعل صوته الاقوى من بين الشركاء الدوليين، مسنودا بأجهزة تشريعية وتنفيذية وقرار موحد وسياسة خارجية متماسكة ومتسقة، وقناة واحدة لاتخاذ القرار ممثلة فى الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الامنية التى هى ايضا نائب لرئيس المفوضية الاوربية الذراع التنفيذى للاتحاد الاوربى، فضلا عن رئيس المجلس الاوربى ذي الصلاحيات الواسعة الذى وضع تحت تصرفه خدمات واسعة من أجهزة الدبلوماسية الفاعلة والنشطة لخدمة اهداف دوائر الفعل الخارجى. وهذا التوجه سوف ينهى الخلاف فى كثير من الملفات الشائكة التى كانت محل انقسام بين دول الاتحاد الاوربى، وعلى رأس تلك الملفات ملف العلاقات مع روسيا وقضايا تغير المناخ والعولمة بما يشمل موضوع التجارة العالمية.
وفوق كل هذا التغيير لم يخف قادة الرأي ومنظمات المجتمع المدني الاوربية والنشطاء فى مجال التنمية، مخاوفهم الكبيرة، بل وتأمينهم على تسييس عملية التعاون التنموى والاستثمارات الخارجية المباشرة للدول النامية التى سوف تربط ربطا محكما بأهداف السياسة الخارجية، وتدخل البرلمان والمجلس الاوربى فى تحديد التشريعات والضوابط القانونية بشأن تمويل التعاون التنموى.
الحوار السياسي في اتفاق شراكة كوتونو هو الخيط الرابط:
فى تقديرنا ان اتفاق شراكة كوتونو لم يتبق فيه غير محور الحوار السياسى بين دول المجموعة والاتحاد الاوربى، باعتباره أحد العناصر الثلاثة التى تشكل اركان هذه الاتفاقية التى تشمل محور القضايا السياسية بما فيها الحوار السياسى ومحور تمويل التنمية والمحور التجارى. وبعد التعديلات الجوهرية التى أحدثتها اتفاقية لشبونة من آليات وتشريعات فى مجال التعاون التنموى، يصبح تأثير هذا المحور ضعيفا ومن طرف واحد UNILATERAL، اما المحور الثالث فهو المحور التجارى المتمثل فى اتفاقية الشراكة الاقتصادية والافضليات التجارية التى يتيحها الاتحاد الاوربى لدول المجموعة، وهذا المحور سوف ينتهى بالتوقيع على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دول المجموعة والاتحاد الاوربى التى بموجبها تنتهى فترة السماح الممنوحة لدول المجموعة من قبل منظمة التجارة العالمية. وفوق ذلك يظل الوضع معقدا فى ظل عدم الوصول لاتفاق وختام المفاوضات بشأن اتفاقية الشراكة الاقتصادية التى أفرزت تقسيمات اقليمية وتباعداً بين الجانبين تسبب فيها الجانب الاوربى بالضغط على كثير من الدول بالتوقيع على الاطار الانتقالى للشراكة حتى لا تتضرر منتجاتها من النفاذ للاسواق الاوربية، وحاليا الوضع شبه مجمد بسبب القضايا التجارية الخلافية، وعلى رأسها محور التنمية الذى تصر عليه دول المجموعة.
وبرزت عدة اسئلة حول جدوى المفاوضات الجارية بشأن المراجعة الثانية لاتفاقية شراكة كوتونو فى ظل هذا التغيير الشامل، خاصة فى اهم محور وهو التعاون التنموى الذى سوف يتم على مراحل وبالتدرج، ولازالت الصورة ضبابية بشأن مستقبل صندوق التنمية الاوربى ضمن إطار اتفاقية كوتونو. وسؤال آخر ماذا يضير المجموعة فى إعادة النظر حول رؤيتها بشأن مستقبلها والبحث عن الخيارات التى سبق أن وضعتها الدراسة العميقة التى تمت فى عام 2007م، للعب دور فاعل ومؤثر فى المشهد الدولى. وبعد لشبونة باعتبارها ورقة ضغط للتكتل الاوربى فى البحث عن توسيع الشراكة مع لاعبين آخرين، كانت الصين واليابان على طاولة البحث، وعندها لم يخف الاتحاد الاوربى قلقه الكبير للبدائل التى وضعتها المجموعة.
وفى تقديرى أن شعرة الحوار السياسى بين دول مجموعة ال ACP والاتحاد الاوربى، سوف تظل هى الاهم فى هذه المرحلة التى يتشكل فيها العالم، خاصة على مستوى المجموعة الافريقية التى تشهد العلاقات بينها والاتحاد الاوربى تقاربا كبيرا ومحاولات من التكتل الأوربى لتقوية مؤسساته وهياكله، للعب دور كبير فى القارة الافريقية والحد من الصراعات والحروب، ولا يخفى علينا اهتمام الاتحاد الاوربى المتزايد باقليم القرن الافريقى، والدور الكبير الذى يعوِّل عليه السودان فى لعب دور فى منطقة القرن الافريقى وافريقيا، ضمن منظومة دول ال ACP التي هي فى حاجة لتمتين علاقاتها مع اوربا والحفاظ على الشراكة القائمة باعتبارها ارفع نموذج لعلاقات الشمال بالجنوب، وشريكا تجارياً منذ فترات سابقة. والأهم من ذلك أن قضية التعاون جنوب جنوب تتطلب جهودا كبيرة لجعل اوربا تتكيف مع هذا التوجه، خاصة فى ظل نماذج للعلاقات الاقتصادية الراسخة بين التكتل الاوربى وكل من روسيا والصين والبرازيل فى قضايا استراتيجية كالطاقة مثلا مع روسيا «الغاز» والبرازيل «الوقود الحيوى» والصين باعتبارها شريكا تجاريا مهما. وإفريقيا لديها أكبر ميزة وهى أنها سوق كبير ومسيطر عليه، اذ يبلغ عدد سكانها حوالى بليون نسمة، فضلا عن حجم الموارد الطبيعية البكر وقضايا اخرى جيواقتصادية وجيوسياسية لا يسعها هذا الحيز من المقال.
سفارة السودان- بروكسل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.