بالكاد وصل عدد الناخبين المسجلين في جنوب السودان عقب إغلاق التسجيل الأسبوع الماضي – وفقاً لما أعلنته مفوضية الاستفتاء – حوالي الثلاثة مليون، ربما ينقصوا قليلاً ولكنهم دون شك لن يزيدوا إذا ما جري إخضاع السجل لإجراءات الطعون التي من المقرر أن تعقب عملية الفراغ من التسجيل. وليس هناك أدني شك – بالنظر إلى هذا الرقم – والذي يعتبره العديد من المراقبين متواضعاً ولم يأت وفقاً للتوقعات – أن المواطنين الجنوبيين على أية حال ليسوا بالحماس الذي أشيع عنهم نحو الانفصال، فمن ناحية أولي، فان العدد قليل اذا ما قارناه بالعدد الذي شارك في الاستحقاق الانتخابي الذي جري في ابريل الماضي حيث حصل المرشح لحكومة الجنوب الفريق أول سلفاكير ميارديت على أصوات احتسبت من واقع مشاركة أكثر من (5) مليون ناخب جنوبي في الجنوب وحده ويتفرع عن هذه الحقيقة عدد من المؤشرات وهي أما أن الاستحقاق الانتخابي كان من أوله لآخره تزويراً وغشاً بحيث تم ملء الصناديق بالأصوات بواسطة الجيش الشعبي كما أشيع وثبت بالفعل ومن ثم لا شرعية لنتائجه، أو أن عدد الناخبين الذين شاركوا في الاستحقاق الانتخابي قد تقلص – لسبب أو لآخر – ليصل الى هذا الرقم وهو ما لا يتصوره أحد خاصة وان الاستفتاء يكتسب أهمية أكبر بكثير لدي مواطني الجنوب على وجه الخصوص من الاستحقاق الانتخابي. من ناحية ثانية : فان حكومة الجنوب ظلت تدعي أن عدد سكان الجنوب يصل إلى (10) مليون مواطن ولو افترضنا أن الناخبين المؤهلين هم فقط نصف هذا العدد فقد كان الأمر المنتظر هو أن يصل عدد المسجلين للاستفتاء على الأقل (5) مليون ناخب وهنا أيضاً يتفرع الأمر إلى أمرين الأمر الأول هو إحجام مواطني الجنوب – رغم ما مورس ضدهم من ضغوط وإكراه مارسه الجيش الشعبي – عن التسجيل مما يستشف منه بوضوح أن هؤلاء المواطنين لا رغبة لديهم في الانفصال لأن الذي يرغب في الانفصال يسارع للتسجيل والتصويت ليحسب له هذا السلوك كسلوك سياسي تاريخي وواجب وطني لم يتأخر عنه. الأمر الثاني هو أن حكومة الجنوب ورغماً عن إكراهها لمواطنين جنوبيين كانوا مقيمين بالشمال للسفر والعودة إلى الجنوب والتسجيل هناك إلا أن العدد لم يزد عما كان متوقعاً مما يشير إلى أحد أمرين : أما أن العدد الذي تم ترحيله الى الجنوب كان متواضعاً جداً بحيث لا يذكر وهذه فيها إشارة الى عدم رغبة هؤلاء المواطنين في العودة إلى الجنوب أو أن مجمل العدد، عدد العائدين زائداً المقيمين رغم ضخامته إلا أنه لم يتحلّ بالحماس الدافق للتسجيل تمهيداً للتصويت للانفصال. من ناحية ثالثة، فأن الأمر، ربما بدأ يثير القلق لدي قادة الحركة الشعبية بشأن فصل الجنوب بواسطة عدد متواضع كهذا – أقل بكثير من نصف سكان الجنوب – مما يشير الى ضعف الرغبة عامة لدي مواطني الجنوب بما قد يطعن أخلاقياً في الانفصال ويجعله مجرد رغبة خاصة بالحركة الشعبية وحدها وحاولت أن تسوق الناس إليه سوقاً! وفي كل الحالات فان هذه في الواقع أولي مؤشرات فشل خطة الانفصال وستثبت لنا الأيام المقبلة صحة هذا الأمر ومفاجأته الداوية!!