قال حزب المؤتمر الشعبي المعارض فى السودان – الذى يتزعمه كما هو معروف – الدكتور حسن عبد الله الترابي – الأحد الفائت – أنه قرر الانضمام الى معسكر القوى المعارضة الساعية للإطاحة بالحزب الوطني الحاكم عقب انفصال الجنوب السوداني فى التاسع من يناير المقبل . وقال مسئول العلاقات الخارجية بالحزب (بشير آدم رحمة) للصحفيين عقب انفضاض اجتماع الهيئة القيادية لحزبه إن الهيئة اعتمدت خيار الإطاحة بالنظام و الثورة السلمية فى مواجهته ،إذا لم تتم الاستجابة لمطلب الحكومة القومية الانتقالية ! و تبدو المعضلة الحقيقية فى هذا الموقف فى عدد من الأمور ، فالمؤتمر الشعبي ، ظل و منذ مفاصلة الرابع من رمضان الشهيرة 1999 يقول انه يسعي للإطاحة بالمؤتمر الوطني ، بل ان قادة الحزب حينها قدَّروا عمراً (قصيراً) جداً للحزب الوطني فى ذلك الوقت لكونه - كما زعموا وقتها - الأدرى بطبيعة النسيج السياسي للحزب ، و مكامن ضعفه و من ثم سهولة الإطاحة به . و ظلت العشرة سنوات الماضية كلها تنصرم واحدة تلو الاخري ولم تفشل محاولات الإطاحة فحسب و لكن حدثت انسلاخات متوالية من الحزب لصالح الحزب الوطني بحيث يمكن القول ان الحزب حالياً يصلح لوصفه بأنه (حزب الترابي ) بأكثر مما يمكن وصفه بأنه حزب المؤتمر الشعبي ،لإمكانية حساب عدد أعضائه بسرعة و سهولة على أصابع اليدين ، و يمكن القول ان ذروة تآكل الحزب و ضعفه يمكن ملاحظتها عقب انضمام القيادي الحاج آدم الى الحزب الوطني قبل أسابيع و توجيهه (دعوة حارة) و مناشدة مؤثرة لزعيم الحزب الدكتور الترابي للانضمام الى الوطني . كانت تلك أبلغ دلالة على ضعف الحزب ؛ هذا من جهة ، ومن جهة ثانية فقد كانت ذروة انتفاضة الشعبي التى يقولها ضد السلطة القائمة، هجوم العاشر من مايو 2008 الذى قاده د. خليل إبراهيم المتمرد الدارفوري الذى يتزعم حركة العدل و المساواة ، والتي لها ارتباط وثيق بالشعبي ، ذلك الهجوم الذى تكسرت نصاله على أسوار ام درمان و أطاح فى الواقع بقوة الحركة ، وقوة الحزب ، و جعل حركة العدل تصبح أثراً بعد عين إلا من محاولات هنا و هناك لا تسمن و لا تغني من جوع ! من جهة ثالثة ، فان الشعبي و مع أن زعيمه متخصص فى القانون و القانون الدستوري على وجه الخصوص لم يشرح الطريقة التى على أساسها سوف يطيح بسلطة منتخبة شعبياً قبل ثمانية أشهر فقط . إذ أنه و مهما كانت (المآخذ) القانونية على الاستحقاق الانتخابي إلاّ أن طعناً واحداً جاداً لم يقدمه الحزب لأي محكمة سودانية مختصة ، ليصدر قراراً يقرر تزوير الانتخابات او عدم صحتها ، و من ثم عدم شرعية الحكومة و لعل من الغريب حقاً -و ربما يفارق كل التقاليد السياسية المعروفة- أن يطالب حزب يعمل وفق القانون بالإطاحة بحزب حاكم منتخب قبل حلول أجل الدورة الانتخابية الجديدة، ففي ذلك معني لمخاوف من أن لا ينال هذا الحزب الساعي للإطاحة ثقة الناخبين فى الاستحقاق الانتخابي المقبل ، ولهذا فهو يستبق كل ذلك بالإطاحة الحالمة هذه !