الهدوء الذي اتسمت به عملية استفتاء الجنوب في يومها الأول حسب المفوضية العليا للاستفتاء ومراقبين دوليين والتي جرت بسلاسة وشفافية وشهدت إقبالاً كثيفاً من المقترعين في مختلف مدن جنوبي السودان تؤشر على أن رغبة شريكي الحكم في السودان هي طي صفحة الحرب نهائياً والقبول برأي صناديق الاقتراع لتحديد مصير الجنوب بالوحدة أو الانفصال. ما عكر أجواء يوم الاستفتاء الأول الاشتباكات التي جرت في منطقة آبيي بين قبيلتي الدينكا والمسيرية والتي أسفرت عن سقوط ثمانية ضحايا فيها حيث كان من المفترض إجراء استفتاء منفصل حول مستقبل منطقة آبيي بموازاة الاستفتاء الجاري حالياً لتقرير مصير جنوب السودان. إلا أنه أرجئ بسبب الخلاف بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال والحركة الشعبية في الجنوب حول الذين يحق لهم المشاركة فيه. تأجيل الاستفتاء حول تبعية منطقة آبيي سمح لشريكي الحكم بتطبيق آخر بنود اتفاق نيفاشا للسلام والقاضي بإجراء الاستفتاء على مصير الجنوب إلا أن منطقة آبيي ستظل قنبلة موقوتة يمكن أن تعيد شبح الحرب بين الشمال والجنوب إن لم يجر الاتفاق سريعاً حول هوية من يحق له المشاركة في الاستفتاء. إن تمسك رئيس حكومة الجنوب السوداني سالفا كير بالتعايش السلمي بين الشمال والجنوب في السودان، بعد الانفصال المتوقع للجنوب لا يكفي وحده لطمأنة أهالي السودان وأهالي آبيي من أن حرباً كارثية أخرى يمكن أن تندلع إذا لم يجر حسم القضايا العالقة بين الشمال والجنوب بالتراضي وفي أقرب فرصة ممكنة. يدرك الجنوبيون أن دولتهم " الجديدة التي ستنتج عن الاستفتاء ستواجه مشاكل سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة تستدعي طلب المساعدة الخارجية سواء في المنطقة أو خارجها ليتسنى للدولة الجديدة الوقوف على قدميها، لكن ما يجب أن يؤمن الجنوبيون به أن الحليف الأقرب إليهم "الشمال" الذي أبدى استعداداً -على لسان الرئيس السوداني خلال زيارته الأخيرة إلى عاصمة الجنوبجوبا - إلى تقديم الدعم اللوجستي والخبرة للجنوب إذا اختار الجنوبيون الانفصال . ما يجب أن يدركه الشمال أن الانفصال المتوقع للجنوب يجب ألا يمنع من انفتاح الشمال الكامل على الجنوب السعي لإقامة علاقات تعاون وتكامل معه في جميع المجالات حرصاً على المصلحة الوطنية للبلاد وللحيلولة دون أن تضطر دولة الجنوب المقبلة إلى الانفتاح على أعداء الشمال وبالأخص "إسرائيل"التي بدأت بالفعل تتأهب حسب تقارير إعلامية لتلعب دوراً في دولة الجنوب المقبلة، وهو دور سيكون بالأكيد على حساب السودان والأمة العربية. المصدر: الراية القطرية 11/2/2011