هممت بالمغادرة حين قرأت شعار الندوة السياسية التي أقامتها الأمانة السياسية بالموتمر الوطني بمحلية جبل أولياء «سلام ..وحدة ..تواصل» حتى لا أفقع مرارة رئيس مجلس إدارة هذه الصحيفة بمادة لا تنسجم مع خطها والحت عليّ رغبة المغادرة حين أمسكت فتاة شمالية بيد جنوبي وطفقا يرقصان مع الراقصين على أنغام المنشد الذي يغني أغاني للوحدة ولكن حدسي أنبأني أن الندوة ستسير وتنتهي على غير ما ابتدأت به مثلما حدث في مقامات كثيرة فتمهلت وقلت: «لن أخسر شيئًا إذا انتظرت». ولم يخيِّب حدسي رئيس لجنة الحسبة بالبرلمان د. الفاتح عزالدين الذي بدأ الحديث هادئًا متحدثًا عن استقلال السودان الذي يجب أن يقرأ في 3 تواريخ أولها عام 1922 عند انطلاق مشروع نهضة الإسلام الذي قاده النبي الكريم وأحدث نقطة تحول كبيرة في أحلك ظروف، وقال إن له علاقة وثيقة بما يحدث الآن في السودان، ثم جاءت الحروب الصليبية التي فتّت عضد الدولة الإسلامية وانهارت الخلافة الإسلامية، وفي عام 1955 قام اول نزاع مسلح يطالب الحكومة البريطانية بحقوق الجنوبيين، ثم جاءت الإنقاذ بمؤتمر من اجل السلام وبدأت في حل مشكلة الجنوب بالداخل ولكن الأخير أبى إلا أن ينأى بنفسه ويقيم دولة علمانية ولكن كانت للمؤتمر الوطني إرادة لجعل الجنوبيين يختارون الوحدة او الانفصال.. وعند هذه النقطة بدأ حديث الفاتح يتخذ شكلاً يمكن وصفه بجرد الحساب يقول: «الصراعات التي قامت بيننا أخّرتنا كثيرًا .. مصير السودان مرتبط بالجنوب حصريًا.. قدمنا الكثير مهرًا للوحدة، أخرنا علي عثمان وقدمنا جون قرنق، أشركناهم في كل الحكومات الشمالية وتركنا لهم الجنوب كاملاً، أشركناهم في الجهازين التشريعي والتنفيذي، سلمناهم 10 مليار جنيه ثم انظروا بعد ذلك ماذا فعلت الحركة الشعبية التي تفتري علينا في الإعلام؟ طلبوا من امريكا إعفاء ديون الجنوب والإبقاء على ديون الشمال! اشتكونا للإيقاد وادّعوا اننا لم نلتزم بالعهد والميثاق وهذا كذب» ومضى الفاتح في إخراج الهواء الساخن من صدره مبديًا استعداد حزبه لقبول نتيجة الاستفتاء الذي أرادوه ان يكون مقبولاً من الشمال والجنوب والإقليم «افريقيا» ودوليًا وأكد ان الانفصال واقع لا محالة ولكن ما هي الترتيبات الأمنية والاقتصادية التي يجب اتخاذها ؟ من الناحية الأمنية يقول الفاتح «أي زول برفع يدو تاني ما بنزلا.. ليس ذلك حديث مشاعر ولكنه بلسان الدولة القوي المنظم» والمعنى هنا واضح، أما على المستوى الاقتصادي فقد بشر الفاتح الحضور بأن الحركة الشعبية «جرت» لكل العالم بحثًا عن طريقة تصدر بها بترول الجنوب عبر ممبسا أو غيرها ولكن نصحوهم بالرجوع الينا وقالوا لهم: «بترولكم ده عمرو10 سنوات وإذا سار في اتجاه عكسي سينضب قبل ذلك ومن ثم فالبترول لابد أن يمر عبر انابيبنا وموانينا .» وأردف «اكشف ليكم سر انا الآن جاي من اجتماع وهم الآن بفاوضو فينا على 50 % وهذه هي الصيغة القديمة ولكن عندنا مية رأي والفورة مليون، مافي جهة حاتلوي يدنا وحتى لو انحرق بترول الجنوب وعدم طفاي النار عندنا في الشمال 115 الف برميل مستغلين منها 95 الف برميل يعني عندنا فائض وسيرتفع الإنتاج عام 2012 الى 180 الف برميل وفي 2016 سننتج 325 الف برميل، اما الذهب فنستخرج الآن 60 طنًا تجلب لينا ثلاثة مليار وخمسمائة مليون دولار ستسد العجز اذا حدثت مشكلات في البترول».. ثم انبرى عز الدين مسببًا موجة الغلاء بالزيادة العالمية التي حدثت في اسعار السلع الاستهلاكية مبينًا ان الدولة رفعت الدعم عنها لتوزيع ريعها على مشاريع انتاجية وبشّر عز الدين الحضور بأنه حال انفصال الجنوب سينطلق السودان انطلاقة كبيرة لن توقفها المثبطات وسيكون هذا هو الاستقلال الحقيقي لنتفرغ لبناء دولة الإسلام. وطالب وزير الدولة بوزارة الثقافة والإعلام ولاية الخرطوم علي مجوك الجنوبيين بعلاقة ودية مع الشمال حال الانفصال الذي أصبح واقعًا مثلما احترم الشمال رغبة الجنوبيين في الانفصال، وقال ان دولة على رأسها البشير لا يخشى عليها» ودعا مجوك قيادة الدولة بعد انفصال الجنوب لمزيد من الجهد لحل قضية دارفور، اما الأمين العام لأحزاب الوحدة الوطنية د. الأمين عبد القادر فقال : في مناظرة بينه وبين الحركة الشعبية قلت لهم: اذا كانت النتيجة انفصالاً فسنباركها ولكن هل ستباركونها ان كانت وحدة ؟» واستغرب الامين اتخاذ بعض ابناء دارفور من الجنوب قاعدة اذ كيف يبقون في دولة «قشة كبريت يمكن تشعلا؟».. واقرت هيلين الير بوجود مشكلات سببها الجنوبيون بسبب ظلم سابق تعرضوا له وقالت ان الاستفتاء كان يراد به تقوية السلام ولكن الآن توجد «تنشنة» وطالبت بعلاقة جيدة اذا حدث الانفصال.. وختم وزير الاستثمار امين الامانة السياسية بولاية الخرطوم الماحي خلف الله الندوة متوقعًا ان ترتفع حدة الغلاء وهي موجة عالمية، وقالت ان هناك معالجات آنية وعلى المدى الطويل والمتوسط لتوفير خدمات من الداخل وطمأن الحضور بأن الانفصال لن يسبب اشكالاً كبيرًا حتى لو كنا نعتمد على البترول لأن البترول لايشكل أكثر من 7% من الموارد الكلية وحتى لو حدث اشكال فسيتم تحفيزه بالموارد الأخرى. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 11/1/2011م