مهم لم يفطن له معظم المعلقين في حادث الاستفتاء. السؤال هو : إذا كان معظم المتابعين مقتنعين الآن بأن نتيجة الإستفتاء ستؤدي لإنفصال الجنوب، ويتنبؤون بردود أفعال تتراوح بين القبول والامتعاض، ويرون أن تطورات كثيرة سحبت البساط من تحت أرجل أي احتجاجات قوية .. طيب ماذا إذا حدثت المفاجأة وقال صندوق الاقتراع (نعم للوحدة). هذا السؤال لم يسأله أحد وبالتالي لم يجاوب عليه أحد. إلا أن مذيع الجزيرة الذكي استوعب الاحتمال، وسأل. وبالتالي ستكون الإجابة متروكة لتقدير كل من يجاوب على السؤال. بصراحة الضجة التي يثيرها أنصار الانفصال وتنوع الدعاية المؤيدة له، فضلا عن أن القادة المؤيدين للوحدة بعيدون جدا عن ميدان التصويت وهو الجنوب، ويتكلمون باللغة العربية البعيدة عن اللهجات المحلية، بالإضافة إلى أن الانفصاليين يرفعون شعارات عاطفية براقة مثل شعار الحرية والإستقلال، ويدعون للتخلص من نير العبودية، والزعم بأنهم في الشمال مواطنون من الدرجة الثانية، وسيكون لهم حق المواطنة الكاملة إذا أصبح لهم وطن مستقل. هذه كلها شعارات عاطفية براقة، بعدها تأتي الضرورات الأخرى. بل في الواقع تأتي في مرحلة متأخرة جدا. على سبيل المثال في الجنوب الآن ضائقة معيشية قد تقترب من المجاعة. في الظروف العادية يأتي تحسين الوضع المعيشي في المرتبة الأولى. بالإضافة لغياب البنى التحتية، وقلة الكوادر التي تدير عمل الدولة. الحديث عن هذا كله يأتي في مرحلة لاحقة من الأهمية. وبسبب ظروف الاستفتاء هاجر عشرات الآلاف من الجنوبيين من الشمال ومن خارج السودان إلى الجنوب ليشاركوا في الاستفتاء أو لتكون هجرة العودة النهائية للوطن. بسبب هذا التحسين الدعائي يتصور كثير من البسطاء أن وطنهم أصبح جنة .. وهم عائدون للجنة. ولكنهم بعد العودة، وبسبب كثرة المشاكل وقلة الامكانيات وضعف القدرات الإدارية غالبا ما يجد العائدون أنفسهم وكأنهم في ورطة يصعب الخروج منها. الفرق بين الواقع الحقيقي والواقع العاطفي كبير. ولكن لأن الإمكانيات لا تسمح بعبور الواقع العاطفي إلى الواقع (الواقعي) بشكل سلمي فغالبا ما يلجأ منظرو الجنوب الجدد إلى التنظير في المستقبل (أي يركزون على ما سيفعلونه في المستقبل). أصبروا علينا لفترة وجيزة. وطننا الحبيب سيكون جنة حقيقية للمساواة والحرية وحقوق الإنسان. لكن صدمة الدخول في الواقع الجديد ربما تكون أكبر من أي تنظير. قد لا يفيد فيها نثر الأماني المعلقة في الهواء. وليس أسرع من انتشار الشائعات السلبية في وسط أرهقته مشقة السفر تجاه مستقبل مجهول. هناك معضلة أخرى. أمام صندوق الاقتراع يبقى الانسان منفردا بقناعته الشخصية. أمامه تغفل عين الرقابة، وتزول الرهبة والخوف. لا أحد يعرفك إن كنت قد صوت للوحدة أو للانفصال. أنصار الوحدة خائفون. المسلمون خائفون. أعضاء المؤتمر الوطني خائفون. كل من تربطه علاقة بالشمال خائف. وهناك خائفون لأسباب أخرى كثيرة. ماذا لو تشجع كل هؤلاء وهم منفردون بأنفسهم أمام صندوق الاقتراع وقالوا (لا) للإنفصال .. (نعم) للوحدة. وبعد .. السؤال من ناحية أمنية هو .. هل الأخطر أن ينجح الانفصال أم الوحدة. أعني رد الفعل السلبي هل سيكون أشد بسبب فوز خيار الانفصال أم بسبب فوز خيار الوحدة. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 11/1/2011م