يضع سيلفا كير، رئيس حكومة جنوب السودان قبعته التكساسية التي أهداها له جورج والتر بوش والتي يرتديها في كل الظروف، جانبا صباح كلّ يوم أحد. ويرتدي جلبابا للذهاب إلى الكنيسة الكاثوليكية في جوبا لتأدية القدّاس. مكانه محجوز على أريكة خمرية اللون في الصف الأوّل. وهناك تفاهم عميق بين القس بولينو لوكودو لورو الذي يلقي المواعظ، وبين رئيس الدولة. الرجلان، أحدهما بواسطة الدين والآخر بواسطة السياسة، يتابعان نفس الهدف ولهما نفس الرؤية ويتحدثان اللغة نفسها. وفي كل أسبوع، بعد الموعظة، يترك القس المنبر للرئيس كي يتحدث للحضور. وإذا أراد جنوب السودان أن يكون متعدد الثقافات ومتعدد الإثنيات، فإن الكاثوليكية ستكون واقعيا هي دين الدولة القادمة. وفي قدّاس منتصف الليل قال القس: «نحن فخورون جدا بشرطتنا وبأجهزة أمننا، لما تقدمه لنا من أمان في هذه الفترة من عيد الميلاد ومن الاستفتاء. ودعوني أذكّركم والمؤمنين الآخرين، أن هذا الاستفتاء يعبر عن خطة إلهية من أجل السودان في هذه اللحظة التي نجتازها من التاريخ». وكالعادة تابع الرئيس الموعظة، وقال: «لا تدعوا أعداء السلام يثيرونكم بأي ثمن. تحلّوا بالصبر وبالحذر فأعداء السلام لا ينامون أبدا». إن الكنائس المسيحية انخرطت مبكّرة جدا في الدعوة من أجل استقلال جنوب السودان، ووقفت إلى جانب المتمرّدين منذ السنوات الأولى للنزاع ضد قوّات الخرطوم، التي يتم النظر إليها كمسلمة بالتأكيد، ولكن أيضا كعربية وتمارس العبودية. والقس الانغليكاني بول يوكوزوك، رئيس «مبادرة رجال الدين السودانيين من أجل الاستفتاء»، يتذكّر تلك السنوات عندما كان شابا يرافق ميليشيات «جيش تحرير جنوب السودان» إلى المعارك في الغابات. يقول: «كنّا نقوم بتحضير المقاتلين روحانيا، قبل أن يهاجموا العدو وقبل الانطلاق في الهجوم على المدن.. كنّا في وسط المعارك، ذلك أننا كنا ندرك أن الحرب رهانها هو العقيدة. كنّا نصلّي من أجل نجاح المقاتلين وحمايتهم، وكنا نصلّي من أجل النصر. وهذا سمح لنا بالفوز في الكثير من المعارك». كانت الطريق مرسومة من الأدغال إلى الاستفتاء، وكان القس يوكوزوك قد جاب الكنائس في الشهور الأخيرة، لتوزيع الإعلانات وال«تي شيرتات» والقبّعات والملصقات الداعية لدعم الاستقلال. إن الكنيسة الانغليكانية في جنوب السودان، تتمايز عن نظيرتها الكاثوليكية حول هذه النقطة. إذا كانت الأولى تدعو صراحة إلى تقسيم البلاد فإن الثانية، ذات الأغلبية، بقيت متحفّظة مكتفية بالتذكير بأهميّة الاستحقاق وتجديد صلواتها كي يمرّ الاستفتاء بسلام. وفي ما هو أبعد من المواعظ، يمكن للكنيسة الكاثوليكية أن تعتمد على شبكة من الإذاعات التبشيرية لنشر رسائلها، وفي جوبا يتوجّه القس بولينو إلى سامعيه عبر إذاعة «بخيتا». وتنقل الأخت سيسيليا سييرا سالسيدو، المبشّرة المكسيكية ومديرة الإذاعة، أن «القس أطلق رسالة كنسية شرح فيها أن أصوات البشر الناخبين هي صوت الله. هذه صيغة قويّة جدا، وتعني أنّه عبر أصوات البشر يتمّ التعبير عن إرادة الله. هذه مسؤولية كبيرة بالنسبة للناخبين. وكان القس بولينو قد قال أيضا عبر إذاعتنا: إذا لم تقترعوا فستذهبون إلى الجحيم». ويرى الكثير من الكاثوليك منظور الاستقلال كوعد مسيحي. يقول إيمانويل تومبي، أحد نجوم راديو «بخيتا»: «الجميع على قناعة أن جنوب السودان أرض موعودة أُعطيت للسود الذين يقطنون الجزء الجنوبي من البلاد». لكن، وفيما هو أبعد من الحماس المشوب بالتديّن، لا بد من أخذ تنوّع البلاد في الاعتبار. وبعد سنوات من الحرب الأهلية على أساس معايير دينية (لكن ليس فقط دينية)، ستشكّل مسألة العلاقات بين المسيحيين والمسلمين، وأبعد من ذلك بين العرب والسود، أحد التحديات. المصدر: البيان 12/1/2011