تعد الفضائح التي حدثت نتيجة قيام السفارات الأميركية بأعمال استخباراتية واستكشافية غير قانونية على أراضي الدانمرك والسويد والنرويج وفنلندا وايسلندا استمراراً لتلك الفضائح المتعلقة بالسجون السرية للمخابرات المركزية الأميركية. ومن الواضح كما تظهر الأحداث أن المخابرات المركزية الأميركية تستخدم في أعمالها الاستخباراتية كل الطرق الخداعية، إذ تؤكد السلطات الأميركية أن هذه السجون تحتوي فقط على السجناء المتهمين بالإرهاب أما المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان فتؤكد أن تلك السجون السرية تحتوي إضافة للسجناء المتهمين بالارهاب على سجناء من الذين لا تتوافق مبادئهم مع مبادئ وأهداف السياسة الأميركية في هذه الدولة أو تلك، وتستخدم المخابرات المركزية الأميركية في تلك السجون ما يسمى بالتقنية الواسعة في أسلوب التحقيق وهي أساليب غير مشروعة ولا تتوافق مع أفكار ومبادئ حقوق الإنسان وخير شاهد على ذلك أعمال التعذيب التي شهدتها سجون العراق تحت الاحتلال الأميركي وما تسببت به من قتل لمواطنين أبرياء يفوق عددهم ما تسببت به هجمات /11/ ايلول 2001 ناهيك عن التعذيب الذي تشهده سجون أفغانستان وذلك وفق تأكيد منظمة اتحاد الحريات المدنية الأميركية. ولا بد هنا من الاشارة إلى قيام المخابرات المركزية الأميركية بذريعة تأمين أمن سفاراتها بتشكيل مجموعة الكشف والمراقبة عن مواطني الدانمرك والسويد والنرويج وفنلندا وايسلندا «surveill ance DetectionUnit,SDU» في إطار الترويج لبرنامج إدارة الحوادث الأمنية وتحليل النظم «the Security Incciden Manajement and Analysis system,SIMAS» وقد قامت المخابرات المركزية الأميركية ومن خلال هذه المجموعة بمراقبة ودراسة الأشخاص غير المرغوب فيهم من قبل أمريكا باستخدام موارد ووسائل تقنية خاصة متطورة وبشكل يتعارض مع التصريحات الرسمية للبيت الأبيض الداعية لحماية حقوق الإنسان في المجالات السياسية والاجتماعية كلها، ففي الوقت الذي تقوم فيه أمريكا باتهام دول المنطقة وشمال إفريقيا بانتهاك حقوق الإنسان لكون هذه الدول غير مستعدة للمضي في مسايرة أميركا وتنفيذ رغباتها فإنها وبصرف النظر عن آراء المجتمع الدولي تذهب إلى فرض حصار اقتصادي من جانب واحد على هذه الدول مع إلزام حلفائها باتباع أسلوبها بمعاقبة هذا البلد أو ذاك اقتصادياً، فالحصار الاقتصادي الأمريكي يطول عدة دول ولعل هذا السلوك في السياسة الأميركية لم يكن بعيداً عن أذهان صانعي القرار في دول العالم التي تتمسك بقرارها المستقل وتعمل وفق مصالح شعوبها وتعرف الازدواجية التي تمارسها الولاياتالمتحدة في تعاطيها مع القضايا الدولية والتباين الواضح بين مواقف الإدارات الأميركية المعلنة ومواقفها المخفية تجاه دول العالم، ففي الوقت الذي تعلن فيه صداقاتها لهذه الدولة وتلك، تكون في الوقت نفسه قد أعدت لها المؤامرات. ومنذ فترة قريبة وعلى موقع ويكيليكس نشرت معلومات حول طلب الخارجية الأميركية من كل دبلوماسييها الموجودين في سفاراتها في كل أنحاء العالم إجراء أعمال استخباراتية حول أشخاص مهمين في دول المنطقة وشمال افريقيا وقد تمت الإشارة إلى برقيات تتداول في دول افريقيا متضمنة أوامر وتوجيهات من هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية بضرورة جمع معلومات عن ممثلي المجتمع المخملي وبشكل مستمر National Humint Collection Divective (NHCD) وتشمل تلك المعلومات (معلومات شخصية ومصادر دخل كل منهم ومصادر تمويل أعمالهم السياسية وعلاقاتهم الشخصية والتجارية والعملية وبرنامج عملهم وأرقام هواتفهم وبطاقات كريدت كارد الخاصة بهم وعناوين ايميلاتهم وأرقامهم السرية وغير ذلك من معلومات) وقد طلبت من دبلوماسييها في أوغندا وراوندا جمع عيناتDNA وبصمات الأصابع الخاصة بشخصيات مركزية هناك، وتعبر تلك المعلومات عن نية الدبلوماسية الأميركية في تجنيد عملاء في تلك الدول. ونشير في هذا السياق إلى أن إعطاء الأوامر بجمع المعلومات عن الأشخاص الوطنيينNHCD يعد استمراراً لما تستخدمه أمريكا في كل سفاراتها ومنها تكوين وحدة الكشف والمراقبةSDV والحصول على معلومات عن المسؤولين الحكوميين لمختلف الدول لاستخدامها ضدهم عندما تتعارض سياساتهم مع السياسة الأميركية الخارجية. ومن المعروف أن أميركا فضحت الكثير من أصدقائها وتخلت عنهم وهذا ما حدث مع شاه إيران في آخر أيامه وهو ما حدث مع رئيس الكونغو موبوتو وقد حدث مع أصدقاء كثيرين لأمريكا في العالم وإن اختلفت مواقفهم وفي السنوات الأخيرة، وتحت شعارات براقة مولت المؤسسات الأميركية أنشطة كثيرة في العالم تحت شعار محاربة الإرهاب أو حقوق الإنسان أو الحريات بهدف التقرب لتلك المجتمعات والحصول على المعلومات التي تحقق الغايات الأميركية. ومن يتابع الدبلوماسية الأميركية سيكتشف حقيقتين الأولى أن الدبلوماسية الأميركية لا تفرق بين النشاط السياسي والنشاط الاستخباري طوال تاريخها فأمريكا دولة الحريات وحقوق الإنسان فيما يخص المواطن الأمريكي ولكن أمريكا خارجياً تختلف كلياً كونها تعتمد في تحركاتها وبرامجها على المخابرات المركزية بالدرجة الأولى ومنذ قيام الحرب الباردة اندمج تحرك السفارات الأميركية مع تحرك المخابرات المركزية الأميركية وتحول باتجاه هدف واحد وهو حماية المصالح الأميركية في دول العالم، وبالنتيجة خدمة الأمن القومي الأمريكي.. ومن هنا، فإن تحرك المخابرات الأميركية في دول العالم كان دوره أكبر من دور سفاراتها بل إن مسؤول المخابرات في كل سفارة يعد صاحب الكلمة التي قد تتجاوز في أهميتها دور القناصل والسفراء، والثانية أن أمريكا كانت دائماً تعتمد في مصالحها على أشخاص تثق بهم ويسمون بالأصدقاء وكانت الإدارات الأميركية المتعاقبة تحرص على وجود هذا الطابور الخامس في دول العالم تحت شعارات فكرية أحياناً أو أنشطة ثقافية وهو ما كانت تفعله المخابرات الإنكليزية في دول آسيا وإفريقيا من خلال البعثات التبشيرية أو التعليمية التي خلقت كوادر في هذه الدول. إن مثل هذه التفاصيل وغيرها في العلاقات السياسية تضعنا أمام تساؤلات حول الكثير من المواقف والتحركات والسياسات التي تؤكد التداخل بين العملية السياسية والدبلوماسية والتحركات الاستخباراتية في عمل السفارات الأميركية الموجودة في كل دول العالم. المصدر: تشري السورية 19/1/2011