أقر القادة العرب المجتمعون في القمة الاقتصادية العربية في شرم الشيخ بيانا حول "مكافحة الارهاب والتدخلات الخارجية". البيان نص بصفة خاصة على: "في الوقت الذي يجدد فيه الملوك والرؤساء العرب إدانتهم للإرهاب بكل صوره وأشكاله وذرائعه، والتزامهم بالقضاء على أي بؤر إرهابية في أي موقع من الوطن العربي، فإنهم يعربون عن رفضهم الكامل لما تم رصده من محاولات بعض الدول والأطراف الخارجية التدخل في شئون الدول العربية بدعوى حماية الأقليات في الشرق، الأمر الذي يعكس غياباً مؤسفاً لإدراك طبيعة الأعمال الإرهابية التي لم تستثن أي منطقة في العالم، ولدوافعها وأهدافها، فضلا عما يظهره من جهل مسيء الى تاريخ شعوب المنطقة وتجربتها التاريخية". ونص البيان ايضا على: "ويؤكد الملوك والرؤساء العرب أنهم يدركون جيدا أبعاد ومرامي هذه التحركات المريبة، ويرفضون أي محاولات للتدخل الخارجي في الشئون العربية تحت أي مسمى أو مبرر، أو اتخاذ هذا الحدث مطية لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، أو زرع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، الذين يمثلون نسيجاً واحداً صهرته تجربة تعايش لقرون طويلة عرفتها المنطقة العربية قبل أي بقعة أخرى في العالم". إذن، البيان مقصود به تحديدا تأكيد رفض القادة العرب للتدخلات الخارجية في شئون الدول العربية تحت دعوى حماية الاقليات أو أي ذريعة اخرى، وتأكيد إدراك القادة العرب الجيد لأبعاد التحركات الخارجية المريبة واهدافها. لا بد أن نشير بداية الى ان القضية التي يتحدث عنها البيان لا تتعلق بمجرد تدخلات أجنبية في الشئون الداخلية العربية بدعوى حماية الاقليات. القضية أبعد واخطر من هذا بكثير. القضية تتعلق باستراتيجية واضحة المعالم ومخطط محدد الأبعاد، ومعروف منذ سنوات طويلة، يهدف الى تمزيق الدول العربية وتقسيمها الى دويلات طائفية وعرقية متناحرة. وهذه الاستراتيجية هي بالفعل موضوعة موضع التطبيق منذ سنوات طويلة، وعبر اساليب كثيرة من بينها بالفعل استغلال قضايا الطوائف والاقليات وتأجيجها الى اقصى الحدود. ومن بين الاساليب ايضا السعي لإشعال الفوضى والاضطرابات في الدول العربية، وغير هذا من الاساليب. ولا شك انه من الجيد ان يعبر القادة العرب اخيرا في البيان الذي تبنوه عن الرفض الواضح الصريح للتدخلات الاجنبية في الشئون العربية تحت أي من الذرائع. لكن هذا الرفض ليس سوى خطوة صغيرة جدا في مواجهة المخطط الذي يستهدف الدول العربية. بعبارة أدق، هذا الرفض ما هو الا مجرد تسجيل موقف عربي في مواجهة التدخلات الخارجية. والمطروح على القادة العرب، بعد الرفض والادانة، واهم منها، هو: وماذا بعد ذلك؟.. ماذا سيفعلون عمليا في مواجهة هذا المخطط لتمزيق وتقسيم الدول العربية؟ الذي حدث، ورغم ادراك القادة العرب جيدا، كما جاء في البيان لأبعاد ومرامي التدخلات الخارجية، أنهم لم يفعلوا شيئا عمليا يعبر عن هذا الإدراك.. لم يفعلوا شيئا في مواجهة هذا المخطط لإفشاله ولحماية الدول العربية من خطر الفوضى والتمزيق والتقسيم. والدليل على ذلك انه، وتحت انظار العرب جميعا، يمضي تنفيذ المخطط خطوة بعد خطوة.. العراق أصبح مقسما عمليا على اسس طائفية وعرقية.. السودان تقسم ايضا.. نعرف ما يجري في اليمن.. يريدون إشعال فتنة طائفية في مصر.. وهكذا. وهكذا. والأمر المؤكد انه ما كان لهذا المخطط ان يحقق أي قدر من النجاح لولا ان القوى الاجنبية التي تقف وراءه رهانها الاساسي هو على عجز الدول العربية عن مواجهته، والاستسلام الفعلي للنظام الرسمي العربي له كما لو كان قدرا مكتوبا لا فكاك منه. وطالما ان القادة العرب لديهم هذا الادراك الجيد كما قالوا، فلا بد انهم يدركون بالضرورة انه لو قدر لهذا المخطط ان يمضي قدما بحسب ما هو مرسوم، فان القادم سوف يكون رهيبا بكل معنى الكلمة، ولن تنجو منه أي دولة عربية. الحديث يطول بالطبع عما يجب ان يفعله القادة العرب ان كانوا يريدون فعلا مواجهة هذا المخطط الرهيب، وما هي الخطوات والسياسات العملية التي يجب ان ينتهجوها. لكن المهم ابتداء ان يكون القادة العرب مستعدين، لأن يتجاوزوا مجرد الاكتفاء بادانة التدخلات الخارجية ورفضها الى البحث الجدي في استراتيجية عربية تواجه مخطط التمزيق والتقسيم، وتحمي دولنا العربية من خطر الضياع بالمعنى الحرفي للكلمة. المصدر: اخبار الخليج 20/1/2011