لا يبدو أن هنالك خيارات موضوعية وممكنة أمام قوي المعارضة السودانية بخلاف التوافق مع المؤتمر الوطني للمشاركة فى حكومة قاعدة عريضة. و لهذا كان من الطبيعي و المنتظر أن تلبي هذه القوى دعوة الحزب الوطني حين أشارت الأنباء - الخميس الماضي- أنها بالفعل سلّمت قيادة الحزب تصوراً مكتوباً لطبيعة هذه المشاركة و أن هذه الورقة الآن قيد المدارسة لدي قيادة الحزب و الدولة. ذلك إن دعوة المشاركة هي بالضرورة وسيلة سياسية جدية لكي يلتئم الشمل السياسي الوطني ، ومن ثم تستقر الدولة بعد أن انفصل الجنوب السوداني مستخدماً حقه فى تقرير مصيره ، ولم يعد من السائغ الآن استخدام هذا الأمر فى مزايدات سياسية باتهام الحزب الوطني بأنه كان السبب وراء هذا الانفصال ، ذلك ان كافة هذه القوى – بالإجماع- أقرّت كما هو معروف وثابت بحق الجنوب فى تقرير مصيره ، وهذا الحق يفترض الاثنين ، الوحدة و الانفصال ومن غير المنطقي و مما يخالف مقتضيات العدل تحميل اى طرف وزر نتيجة استخدام الحق . ولا نغالي إن قلنا، إن استخدام هذا الحق لو كان – إفتراضاً- فى ظل حكومة تقودها هذه القوى لما تسني استخدامه أصلاً ولعل زعيم الحركة الشعبية الفريق أول سلفا كير ميارديت كان صادقاً حين أشار عقب ظهور نتيجة الاستفتاء الأولية فى جوبا مؤخراً الى أن حركته و الجنوب كله (مدين) للحزب الوطني بهذا الانجاز ، وتساءل كير عن ما كان سيكون عليه الحال لو لم يكن الطرف الآخر فى الاتفاق و في تنفيذه المؤتمر الوطني؟ ولا شك أن الرجل – يعلم الكثير- بشأن القوى السياسية المعارضة ، فقد جربت حركته - مراراً- استخدام هذه القوى فى مواقف تكتيكية عديدة و اختبرت مصداقيتها و وزنها ، وربما أدركت الحركة – بقراءتها – أن القوى المعارضة لم تعد سوي أطلال من الماضي. نقول كل ذلك ولسنا بصدد التقليل من وزن هذه القوى بقدر ما نهدف الى قدر معقول من الواقعية ، وهى الواقعية التى ربما باتت تدفع بهذه القوى لعدم رفض عروض الحزب الوطني فى ظل عجزها هى علي ( فعل شئ) ، وفى ظل تلاشي أى إمكانية او فرص لتهييج الشارع ضد الحكومة لعدم وجود أية مقتضيات سياسية تدعو لذلك ، ومن المؤكد ان القوى المعارضة اذا ظلت على موقفها المتصلب ذاك رافضة لأي مشاركة غير قادرة على فعل سياسي ، فان الساحة السياسية قطعاً لن تحتملها وستجد نفسها بعد حين و قد أصبحت أثراً بعد عين !