في بداية القرن الحادي والعشرين كان العالم على أعتاب تنافس شديد بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها على من سيسطر على العالم، إذ كانت الولاياتالمتحدة تعتقد بسيطرة إمبراطوريتها على العالم كما جاء على لسان مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة أن (الولاياتالمتحدة دولة لا نظير لها ولا غنى عنها)، ولكن هذه الآمال تحطمت بعد ضربة الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001م، إذ عملت أمريكا على وضع سيناريو إعادة لرسم الخرائط السياسية في الشرق الأوسط، وسعت إلى تفكيك النظام العربي، واتجه تركيز بوش الابن إلى الدعوه إلى التغيير في الشرق الأوسط، ودخلت أمريكا العالم العربي من بوابة العراق لإجراء هذه التغيرات في العالم العربي والاسلامي، وهذا ما كتبه الكاتب الأمريكي روبرت كراوتمهمر، والمعنى نفسه أكده مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط ويليام بيرنز . شنت أمريكا هجوماً عنيفاً على الدول الإسلامية بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول في ما أسمته ب"الإرهاب الإسلامي"، هذا الهجوم الذي تحول إلى أداة وسبب للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وإجبارها على الانخراط في الحرب ضد الارهاب، وأخذوا مسمى (محور الشر)، حددوا دولاً بعينها هي العراق وإيران وسوريا وليبيا والسودان وكوريا الشمالية ومنظمات المقاومة العربية خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ونالت معظمها نصيبها من العدوان الأمريكي، حيث غزت أفغانستان عام 2002م لإسقاط حكم حركة طالبان وهزيمة تنظيم القاعدة . . وغزت العراق عام 2003م، وليبيا وإيران وسوريا تعرضت للحصار الاقتصادي، وتعرض السودان لنوع آخر من الغزو والحصار وهو التقسيم والتفكيك والإرهاب المعنوي، ممثلاً في المحكمة الجنائية والقرار الصادر في حق الرئيس عمر البشير، هذا القرار الذي أرادت أن تسكت به صوت البشير . فتجديد الحديث عن العقوبات الأمريكية الاقتصادية على السودان قبل (10) أسابيع من الاستفتاء على مصير جنوب السودان ما هو إلا نوع من الضغوط السياسية على الحكومة السودانية لإجراء الاستفتاء في موعده المحدد بغض النظر عن الاستعداد للاستفتاء وحسم كل القضايا العالقة بين الشمال والجنوب التي حتماً ستكون مصدر صراع بين الدولتين بعد الانفصال، وكنوع من العقوبات الذكية التي تهدف إلى إضعاف حكومة الخرطوم وخلق فوضى فيها لمصلحة الحركات الأخرى المعادية للحكومة والداعمة للمصالح الأمريكية، وقد قالها الأمين العام للحركة الشعبية: إنه برفع العقوبات عن السودان لن تكون هناك وسيلة ضغط على المؤتمر الوطني بالتقدم في مساري الاتفاقية وملف درافور، هذه الاتفاقية التي وجدت رعاية كاملة من أمريكا من دعم مالي ومعنوي لاختيار خيار الانفصال، وهذا ما أكدته الحركة الشعبية بأن واشنطن تضخ أموالاً كبيرة لتحقيق الانفصال، وقد قال إزيكيل لول جاتكوث ممثل الحركة في الولاياتالمتحدةالامريكية إن واشنطن تكثف جهودها لمساعدة الجنوب على الاستقلال عن الشمال، خاصة بعد تصريح الرئيس البشير بأن الحكم في الشمال سيكون بالشريعة الإسلامية بعد الانفصال . فليكن الانفصال ولكن!! هل ستلتزم أمريكا برفع العقوبات عن السودان؟ وحذفه من قائمة الإرهاب؟ وماذا عن العقوبات الاقتصادية؟ هل ستلغي الديون التي تراكمت وتزايدت بالفوائد حتى أصبح كل جنين يولد مدان بما يقارب ال 1000 دولار أمريكي؟ وبعد تحديد نصيب كل من الشمال والجنوب من الديون، حتماً ستلغي ديون الجنوب . . . فماذا عن ديون الشمال؟ لقد وعدت أمريكا بفك الحصار الاقتصادي على السودان إذا مر الاستفتاء بسلام، وقد مر بسلام، فهل ستوفي أمريكا بالوعد؟ أم هو وعد سيذهب أدراج الرياح كما سبقه من الوعود؟ المصدر: الخليج 25/1/2011