فى الوقت الذي شرع فيه الحزب الوطني الحاكم فى السودان فى عقد لقاءات و مشاورات مكثفة مع القوى السياسية المختلفة بغية بلورة مواقفها بشأن المشاركة فى حكومة ذات قاعدة عريضة أو التوصل لأي صيغة مناسبة لمواجهة مستحقات المرحلة المقبلة ، وبالفعل التقي الرئيس البشير بزعيم حزب الأمة القومي السيد الصادق المهدي، فان قوي المعارضة السودانية - مدفوعة بهواجسها وأخطائها المتكررة - دفعت بحزمة شروط قالت إن على الحزب الوطني استيفائها أولاً، قبل قبولها الجلوس و التحاور معه! الحزب الوطني من جانبه لم يعلق على هذه الشروط و لكن بالاطلاع على هذه الشروط يبدو واضحاً أن القوى المعارضة تود ( تصعيب وتعقيد الموقف) بأكثر مما يحتمل . جملة الشروط التى أوردتها قوي المعارضة ، عقد مؤتمر دستوري ، إلغاء الزيادات الأخيرة على السكر و المحروقات ، وإطلاق سراح المعتقلين ، وتشكيل فريق واحد للتفاوض. ومن الممكن لأي مراقب أن يدرك عمق أزمة القوى المعارضة من خلال هذه الشروط وحدها، إذ أننا ودون التعرض لتفاصيلها سوف ندرك أن الأمر فيه اختلال . أول اختلال أن القوى المعارضة أصلاً لا تملك حق فرض الشروط ، إذ انه وعلاوة على أن القضية برمتها قضية دعوة من حزب حاكم مسنود بشرعية انتخابية، ورأي طوعاً – دون ضغط من أحد – إشراك هذه القوى فى السلطة سعياً نحو إجماع سياسي مطلوب لمواجهة تحديات المرحلة القادمة، فان من المفروض أن تكون إجابتها بالموافقة أو عدم الموافقة، وهذا إنما يتم عبر الحوار ودون إيراد شروط ، ولعل الأمر المحزن هنا أن قوى المعارضة كأنها استشعرت (قوة تنبعث بداخلها) جعلتها ذات وزن كبير يتيح لها فرض الشروط . من جهة ثانية ، وهذا هو الاختلال الثاني – فان القوى المعارضة خانها ذكاؤها السياسي بدرجة مريعة، فهي إن جلست مع الحزب الوطني و حاورته، هكذا فى الهواء الطلق كما فعل زعيم حزب الأمة السيد الصادق المهدي ، فان من المؤكد أنها ستحقق بعضاً مما اشترطته مقدماً، ونقول بعضاً لأن هذه هى متطلبات السياسة ، العمل بتدرج ،و بأسلوب الخطوة خطوة . اختلال الثالث، هو أن الشروط الموضوعة تتصل بأمور أخري و ليست كلها شأناً سياسياً محضاً، فقضية الأسعار و الغلاء شأن اقتصادي محض ، وليس شأناً سياسياً يعالج بالقرارات و القرارات المضادة ، ولو كان الأمر كذلك لأصبحت القضية برمَّتها مجرد لعبة لا طائل من وراءها ، واعتقال د. الترابي و من معه أيضاً شأن قضائي وعدلي لابد أن تبت فيه الجهات العدلية ، ومن ثم فهو لا يصلح لاتخاذ قرارات سياسية ؛ وأخيراً فان القوى المعارضة - و لأغراض تقوية عضلاتها السياسية- قالت إنها سوف تنظر فى (وقف إجراءات الانتفاضة الشعبية)،حال استجابة الحزب الوطني لشروطها ، ومن المؤكد ان السؤال المنطقي الذي يفرض تنفسه بقوة هل من المنطقي ان يكون بإمكان هذه القوى إشعال انتفاضة شعبية ضد السلطة الحاكمة، و نتيجة فقط ل(كرم سياسي فياض منها) تخلت عن هذا المسعى و فضَّلت البحث عن وسيلة للحوار مع السلطة ؟!