ربما لم يشعر الكثيرون بالصدمة إزاء النتائج الأولية التي أعلنتها مفوضية استفتاء جنوب السودان التي تظهر أن أكثر من 99% من الناخبين في جنوب السودان اختاروا الانفصال عن الشمال ليضع نهاية لتربع السودان على عرش أكبر الدول الإفريقية مساحة، ويزيد القارة السمراء دولة جديدة يتوجس الجوار بلا استثناء منها، لأن الكل يعلم أنها ستدار بأيد خارجية . كان أمر الانفصال متوقعاً ومنطقياً عندما استمرت سياسات المركز من دون تغيير، ليتواصل الفشل معها في حل مشكلات العديد من المناطق التي علا فيها صوت الشكوى، لتتلقفه بعض الجهات الخارجية وتصنع منه مأساة إنسانية، ومن ثم خلق زعماء لحركات تمرد وتسويقها على أنها حركات تحرر . السودان يشكل درساً قاسياً لبقية دول المنطقة، التي نبتت فيها حركات تمرد عرقية وطائفية وتتكاثر بمرور الوقت مع وجود الساقي والمحتضن، فليأخذ الكل حذره من تكرار أخطاء السودان، وليتعلم جيرانه العرب، حتى لا تتكرر مأساة تقطيع أوصال دولة أخرى، وتتحول دول المنطقة إلى مجرد ممالك سومرية، بشكل يسطر عهداً جديداً لملوك الطوائف . جنوب السودان، الذي سيتحول إلى كيان مستقل خلال أشهر، من المتوقع له أن يتحول إلى دولة وظيفية في قلب القارة الإفريقية، لتخدم مشروعات معدة ومخطط لها سلفاً، تماماً كما حدث مع الكيان الصهيوني، وإن كان الأخير أخطر وأخبث . لكن إفشال هذا المخطط ليس بالصعوبة التي يتصورها البعض، فدولة الجنوب المستقبلية، برغم ارتباطاتها بالصهاينة والعديد من الدول الغربية كنوع من الولاء، قابلة للاحتواء والاستيعاب عربياً، ولكن متى امتلك العرب إرادة لإفشال مخطط للنيل منهم . الجنوب يفتقد كوادر وخبرات لإدارة وتسيير شؤون الدولة الجديدة، كما يفتقد تمويل مشروعات البنية التحتية غير الموجودة في الإقليم، إلى جانب الارتفاع المخيف في نسب الأمية بين سكانه، لنجد الدول العربية تمتلك كل ما يحتاج إليه الجنوب من أموال وكفاءات، ما يوفر بيئة خصبة للتكامل مع هذه “الدولة المستقبلية"، وهذا الاحتواء أو التكامل سيجنب إفريقيا ودول المنطقة نشوب صراعات وحروب مستقبلية ستنفق عليها أضعاف مضاعفة للمبالغ التي يمكن أن يتم إنفاقها في تنمية جنوب السودان والنهوض به . لكن قبل البدء في ذلك يتبادر إلى الذهن العديد من التساؤلات: هل اتخذت دول المنطقة أياً من الخطوات نحو حل مشكلات البطالة والفقر والأمية؟ وهل شرعت في النظر إلى مشكلات الأقليات الطائفية والعرقية لتفكيك الاحتقان الناتج عنها؟ ربما تكون الإجابة بالنفي، خاصة في ظل الحلول التسكينية والديكورية غير الكافية، خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي تشهدها المنطقة، لكن هناك بعض نوافذ الفرص التي يمكن أن تغتنمها دول المنطقة كي لا تكون “سودان" آخر، ويمكن اعتبار ماليزيا نموذجاً للاستنهاض في بعض جوانب تجاربها العديدة مع التنوع الديني، وما سبق يحتاج لأن تكون هناك سلطة ذات إرادة وطنية ومشروع قومي . المصدر: الخليج 1/2/2011