تشكل الروابط التاريخية بين العرب والأفارقة أساسا قويا للعمل المشترك مثلما تشكل مرتكزا للنضال في مواجهة التغلغل الصهيوني في القارة الافريقية بكل أشكاله استنادا الى المعطيات الواقعية القائمة عبر الامتداد الجغرافي والسكاني العربي مما يجعل العرب شركاء في القارة السمراء لا سيما ان العرب الأفارقة هم الأكثر عددا في الأمة العربية وكذلك الحال مع مساحة الأقطار العربية الافريقية التي تزيد عن ثلثي مساحة الوطن العربي. كما تمتاز هذه القارة بمقومات بشرية وطبيعية وبثراء ضخم من حيث موارد الطاقة الاستراتيجية كالبترول والغاز والمياه والمعادن الثمينة مما جعلها عرضة لأطماع الدول الأوروبية الاستعمارية والولاياتالمتحدةالأمريكية والصهيونية العالمية التي وضعت هذه القارة في دائرة اهتماماتها وأطماعها وبخاصة منطقة القرن الافريقي حيث التواجد العربي المستهدف من الحركة الصهيونية وكيانها الغاصب في فلسطين العربية وقد استطاع الصهاينة وبدعم واسناد من الولاياتالمتحدةالأمريكية اختراق القارة الافريقية والتغلغل في العديد من بلدانها حيث استهدف هذا التغلغل السيطرة على المنافذ الاستراتيجية الهامة على البحر الأحمر ومنطقة البحيرات العظمى ومنابع نهر النيل الذي يشكل شريان حياة لقطرين عربيين هامين وكبيرين سكانا ومساحة ، مصر والسودان ، مما يهدد امن القطرين وامن الأمة العربية خاصة وان الحكومات الصهيونية المتعاقبة بذلت ، وما تزال تبذل جهودا مكثفة وبطرق مختلفة من اجل حرمان القطرين العربيين من حصتهما من مياه النيل المقررة وفق اتفاقيات سابقة كما أقدمت حكومات العدو أيضا على التدخل في السودان حيث دعمت الحركة الشعبية الانفصالية تدريبا وتسليحا وها هي اليوم تبذل جهودا كبيرة من اجل الدفع باتجاه انفصال جنوب السودان عن شماله حتى تقوم دولة ترتبط بعلاقات سياسية واقتصادية مع الكيان الصهيوني مما يؤثر وبشكل كبير على امن السودان واستقراره خاصة وان موعد الاستفتاء على قضية الانفصال أو الوحدة بين شطري السودان قد أصبحت قريبة (النصف الأول من كانون الثاني عام )2011 وبالتأكيد فان زعزعة امن السودان واستقراره يؤثر سلبا على الأمن القومي العربي بعامة وامن الأقطار العربية الافريقية بخاصة. واذا ما توقفنا وبشكل موجز عند مسار التغلغل الصهيوني في القارة الافريقية الذي بدأ التفكير فيه منذ العام م1902 حيث فشلت الحركة الصهيونية في اختراق القارة الافريقية في ذلك الوقت نظرا للعلاقات التاريخية القوية بين دول القارة والعرب لكن الصهاينة استمروا في محاولاتهم لاختراق القارة نظرا لأهميتها الاستراتيجية ولتواجدها الكبير والمؤثر في المنظمات الدولية وبخاصة هيئة الأممالمتحدة ، حيث تشكل دول القارة الافريقية ما يقارب ثلث هذه الهيئة الدولية وبدعم مطلق من الادارات الأمريكية ودول استعمارية أخرى استطاعت حكومات العدو الصهيوني الوصول الى العديد من دول افريقيا عبر تقديم الدعم المالي والاقتصادي والعسكري المتمثل في التدريب والتسليح وارسال الخبراء العسكريين الصهاينة الى هذه الدول وكان هذا الأمر واضحا في العام 1979 وما بعده مما كان له تأثير كبير على مصالح الأقطار العربية الافريقية وعلى صورة العرب حيث أقدمت الحكومات الصهيونية على بث صور سلبية عن العرب وبخاصة لدى النخب الافريقية الحاكمة ، كما عملت عبر نفوذها واستثماراتها وتواجدها العسكري والأمني المتمثل بجهاز الموساد على خلق أو تضخيم النزاعات الحدودية بين الأقطار العربية ودول الجوار الافريقية والتي انعكست فعليا على علاقات بعض هذه الدول مع العرب بعامة وعلى القضية المركزية العربية ، القضية الفلسطينية بشكل خاص ومن أهم هذه المؤثرات على القضية الفلسطينية ، عملية هجرة اليهود الفلاشا من اثيوبيا الى فلسطين العربية وقيام الجاليات اليهودية في بعض الدول الافريقية بالرغم من اعدادها الصغيرة بفتح قنوات اتصال على مستويات مختلفة مع النخب الحاكمة في هذه الدول وتسهيل الطريق أمام الحكومات الصهيونية لتصل الى تحقيق أهدافها وبخاصة محاصرة العرب في افريقيا بخاصة ومحاصرة النفوذ العربي في منطقة القرن الافريقي والبحر الأحمر حتى لا يصبح بحيرة عربية ، رغم الوجود العربي على هذا البحر ، مصر ، السودان ، اليمن ، والمملكة العربية السعودية ، وكذلك لتسهيل تحقيق اكبر هدف صهيوني يهدد الأمن العربي والمتمثل في استخدام حاجة مصر والسودان لمياه النيل لمحاصرة القطرين. وكذلك القدرة على خلق الفتن والمشاكل الداخلية وبخاصة ضد السودان حيث التدخل الصهيوني كما أسلفنا في جنوب السودان وغربه المتمثل في قضية دارفور فالأصابع الصهيونية تقوم بدورها في الحرب الأهلية القائمة في هذا الاقليم السوداني الهام بمساحته وعدد سكانه وثرواته الطبيعية. طبعا كل ذلك بدعم من يهود أمريكا ومن الادارات الأمريكية الشريك الحقيقي للحركة الصهيونية وكيانها الغاصب. وتأتي زيارة وزير خارجية العدو الصهيوني ليبرمان الأخيرة الى خمس دول افريقية هامة في سياق استهداف العرب الأفارقة ومحاصرتهم وتهديد أمنهم لا سيما ان هذه الدول هي دول منبع النيل التي تشارك في اتفاقيات تقاسم مياه النهر وتعتبر اثيوبيا الدولة الأهم التي يركز عليها الصهاينة في سياساتهم كونها دولة مجاورة لأقطار عربية افريقية ويمكن من خلالها التسرب الى هذه الأقطار للأضرار بأمنها وخلق مشاكل داخلها وتغذية أية اشكالات تواجهها وبخاصة السودان من جهة وكونها خزانا بشريا هاما ليهود الفلاشا من جهة أخرى حيث بدأ الحديث عن الترتيب لاستقدام مجموعات من يهود الفلاشا الى الكيان الصهيوني اثر زيارة ليبرمان والتي من أهم أهدافها أيضا توسيع الانتشار العسكري والأمني الصهيوني من اجل رفع وتيرة التغلغل الصهيوني المعادي للعرب في الدول الافريقية اضافة الى أهداف اقتصادية تتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري بين هذه الدول والكيان الصهيوني كما تأتي هذه الزيارة وغيرها من التحركات الصهيونية والأمريكية تجاه القارة الافريقية تجسيدا لمبادئ الشراكة الاستراتيجية الاستعمارية للطرفين حيث ترى الولاياتالمتحدةالأمريكية في الوجود الصهيوني المكثف والمتعدد الابعاد والأهداف سندا لها في تحقيق نفوذها وأطماعها ومصالحها في هذه القارة وتستند هذه الرؤية على علاقة الشراكة الاستراتيجية بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والكيان الصهيوني سواء أكان ذلك في منطقة "الشرق الأوسط" أو افريقيا أو أي مكان آخر في العالم. يشكل التغلغل الصهيوني ، استنادا الى هذه المعطيات وأخرى متعددة غيرها ، تهديدا حقيقيا للأمن القومي العربي عبر تهديد وحدة السودان وأمنه وكذلك امن مصر وأقطار عربية أخرى مما يتوجب على العرب مواجهة هذا الخطر المتمثل في النفوذ والتغلغل الصهيوني العسكري والسياسي والاقتصادي والتجاري في الدول الافريقية. وحتى تتم هذه المواجهة لا بد وان تتوفر الارادة السياسية العربية المستندة الى ادراك العرب لأهمية المجال الافريقي وحيويته نظرا لارتباطه الوثيق بالأمن العربي. وتأتي ضرورة المواجهة العربية للنفوذ الصهيوني حتى تستطيع الأقطار العربية ابعاد الأضرار التي تلحق بها جراء التواجد الصهيوني المستند الى اتفاقيات صهيونية تضر بالمصالح العربية السياسية والأمنية والاقتصادية حيث يعمل قادة الكيان الصهيوني على توظيف هذه الاتفاقيات ضد العرب ومصالحهم وأمنهم واستقرارهم عبر التدخل السافر في شؤونهم الداخلية مثلما يتم توظيفها لاحداث شروخ في العلاقات العربية مع الدول الافريقية. ومن هنا نؤكد على ضرورة ازدياد الحضور العربي في القارة الافريقية بكل أبعاده السياسي والاقتصادي والمالي والعسكري عبر تقديم الدعم لدول القارة لافشال المخططات الصهيونية والأمريكية التي تستهدف العرب ومن اجل الدفاع عن الامن الوطني لأقطار عربية افريقية والأمن القومي العربي. . فؤاد دبور [email protected]