لم يُحسم بعد استمرار المسئولين الجنوبيين فى السلطة المركزية فى الخرطوم عقب ظهور نتيجة الاستفتاء من عدمه حتى الآن وإن كانت العديد من المصادر القانونية ترجح استحالة وجود هؤلاء المسئولين ، خاصة فى الجهاز التنفيذي فى ظل وجود دولتين . وقد ظهر فى أواخر الأسبوع الماضي نموذج آخر لاستحالة وجود هؤلاء المسئولين فى السلطة و ذلك من واقع تضارب المصالح و تعارضها ، بل سعي البعض – بدوافع غير واضحة ، وربما منطلقات خاصة – لاتخاذ مواقف لا تحقق أية مصلحة عامة . فقد كان وزير الدولة بوزارة التعليم العالي البروفسير (خميس كندة) و فى إطار البحث عن صيغة مناسبة لمعالجة قضية الطلاب الشماليين فى الجامعات الجنوبية قد توصل الى إنشاء جامعة جديدة فى منطقة الكدرو شمال الخرطوم بحري . وزير الدولة توصل الى هذه الخطوة عقب مشاورات و مدارسات مع جهات عديدة خاصة أنّ أعداد هؤلاء الطلاب يتجاوز ال13 ألف طالب ، وهناك مخاطر من أن تقع فجوة زمنية تعيق تواصل دراستهم. وزير التعليم العالي ( د. بيتر نيوت كوك)- و كما هو معروف يتبع للحركة الشعبية - أصدر بياناً صحفياً فى هذا الصدد رفض فيه – صراحة – هذه الخطوة ، وقال الوزير انه يعتبر إنشاء هذه الجامعة (بمثابة عمل سياسي خاص بحزب المؤتمر الوطني) ! وقال البيان ان هذه القضية ينبغي أن تناقش فى إطار اللجان المشتركة بين الطرفين الوطني والحركة (باعتبارها من القضايا العالقة) ! و من ثم فقد أسقط فى يد وزير الدولة الذي كان قد قطع شوطاً فى العملية و اضطر لإيقافها . هذا المسلك هو بمثابة نموذج ساطع على تضارب المصالح و تعارضها ، ففي حين أن من حق هؤلاء الطلاب الشماليين أن يتم استيعابهم فى جامعات شمالية هنا في شمال السودان باعتبارهم أنهم أصلاً إلتحقوا بهذه الجامعات لكونها موجود فى الشمال و ليس بإمكانهم السفر الى الجنوب لما فى ذلك من مشقة و تكلفة مالية ، فان الوزير – و لمجرد كونه من الحركة الشعبية – عمل على عرقلة الأمر لأسباب واهية و فى الغالب الأعم فان الوزير (كوك) يبدو حريصاً على الإمساك بهذه الورقة (كأمر سياسي) لمقايضة قضايا أخري ضمن قضايا الملفات العالقة مع الوطني لاحقاً . من المؤكد أن الجهاز التنفيذي المركزي إذا ما تُرك ليمضي على هذه الشاكلة ، حيث يقرر كل وزير أو مسئول انطلاقاً من مصالحه و منطلقاته فان الدولة سوف تنهار أو يتعطل دولابها ، ومن ثم تتهدد مصالح المواطنين و لهذا فان من الضروري – بحسب العديد من الخبراء الدستوريين و القانونيين – أن يتم التوافق على صيغة دستورية مناسبة تمنع هذا الازدواج المريع فى ممارسة العمل التنفيذي ، والشئ الذى لا خلاف عليه أن مسئولي الحركة الشعبية عقب ظهور نتيجة الاستفتاء – و مهما كانت درجة وعيهم – لا يملكون حساً وطنياً حقيقياً حيال شمال السودان بحكم الأمر الواقع الذى أحال ولائهم الوطني تماماً الى دولة الجنوب التى اختاروا قيامها للتوّ .