الأجندة الوطنية : لئن كان الحوار أول مقدمات التغيير فان أول مطلوبا ته هو التوافق علي أجندة القضايا الوطنية التي تشكل تحيات المرحلة الراهنة ،بيد ان المتأمل في خطاب الفئة المعرضة لا يستشعر تجردا موضوعيا للحوار .ذلك ان ما تسميهالمعارضة بالأجندة الوطنية لا تطابق مع التحديات الكبري التي تواجه السودان بقدر تطابقها مع قراءة المعارضة للواقع السياسي بعين الساخط والطامع في ان واحدد.فالحديث عن الحريات واعتبار ان هنالك أزمة حريات تعتبر واحدة من أهم القضايا .لا يعدو كونه ورقة للتزايد علي مجال الحريات الواسع الذي لا يضيق إلا عندما تزاحمه مهددات حقيقية لمصالح الوطن والمواطنين .والمعارضة لم تكلف نفسها بإجراء أية مقارنات بين واقع الحريات الواسع الذي كان متاحا عندما كانت أحزابها تحكم البلاد في فترة التعددية الحزبية المنصرمة .وهي اذ تتحدث حديث المزايدة والتشبيه بين أوضاع الحريات في السودان في جميع العهود "حتي ما يسمي منها شموليا "وبين الأوضاع السائدة في تلك البلدان .والمعارضة تعلم أنها تتحدث لحديث الزور وتتوقع لشعب لماح مدرك لحقائق السياسة ان يصدقها بيد ان الحكومة لم تغلق باب الحوار معادلة بين الحرية والآمن .والتي لابد نفسه مهددا لممارسة الحرية نفسها .بيد ان الحديث عن الحرية يجب ان لا يكون شعارا فاحكم ليس رفع الشعار بل اتخاذ التدابير الحكيمة لتحقيق الاستقرار وتوسيع فضاءات الحرية .ويكفي هؤلاء ان يتأملوا بين حالة الطوارئ التي امتدت في بعض البلدان الي عشرات السنين وحالة الطوارئ التي لا تفرض في بلد مثل السودان يواجه تحديات عظمي تهدد استقراره وسلامة أراضيه ولكن تكتفي الدولة بفرضها جزئيا علي المناطق التي تواجه تهديدا ماثلا .ثم لا تطبيقها وفق لائحة شاملة مقيدة للحريات .وأما حديث الفئة المعارضة عن المعتقلين فتعلم المعارضة ان الاعتقال لا ينال الا من أشهر سلاحه في وجة الدولة او ظاهر علنا من شهر ذلك السلاح في وجه الدولة .فمثل هؤلاء فان العالم جميعا يطلق عليهم صفة الإرهاب وليطالعوا ان شاؤوا القوانين المناهضة للإرهاب في أمريكا وأوروبا .ليعلموا ان الدائرة قد ضاقت في السودان في تفسير الظاهرة الي المدي الذي تجرا فيه المتجرؤون علي التحريض المباشر علي الخروج علي الدولة بالسلاح .ولاشك أننا لا ندخل في زمرة المظاهرين من عبر عن الرأي بوجه سلمي ولو كان معارضا ومناوئا للحكم القائم .ولذلك فان أي سجين للرأي يتوجب ان يطلق سراحه فورا لا ان يكون مشاركا في الخروج والبغي او محرضا عليه .فحينئذ يتوجب أحلته باعجل ما يمكن بعد الاستجواب الي الإجراءات العادية ليحاكم أمام قاضيه الطبيعي . أزمة دارفور أما حديث الفئة المعارضة عن ضرورة حل أزمة دارفور فيشبه النصيحة للجريح بان يضمد جراحه .ولئن كان جرح دارفور جرحا لكل الوطن فان المبتلي الأول به بعد المتأثرين المباشرين هي الحكومة .ولقد أظهرت الحكومة اهتماما لحل الأزمة لا ينكره الا مناوي مكابر وقدمت من التنازلات ما لم تقدمه أية حكومة تواجه نفس الأوضاع .ولكن قضية دارفور صارت بضاعة مزجاة يسعي بها التجار والسماسرة داخل البلاد وخارجها .وقد فتحت الحكومة بابها وقلبها وإذنها لتشجيع كل فكرة وكل نصح حول كيفية مقاربة الأزمة من خلال مبادرة اهل دارفور .ومن خلال فتح وفد التفاوض لمشاركة الأحزاب ومن خلال توسع الفرص لسماع صوت المجتمع المدني والأهلي في دارفور وفي غير دارفور .ولا تزال الحكومة تسعي بكل وسيلة للتواصل مع الفرقاء .ومحاولة تهيئة مناخ موات لحوار موضوعي متجرد لإيجاد الحلول للمشكلة .ولكن الفئة المعارضة أثرت دائما ان تتبني منهج الملاءمة السياسية .فما كان يلاءم مصالحها الحزبية فهو الحل وان كان هو بالذات ما يفتح أبواب مشرعة للنزاع والصراع في دارفور .والمواقف الانتهازية للمعارضة هي واحدة من أسباب تعسير الوصول الي حل في دارفور .ويكفي النظر للمواقف المتضاربة من منبر الدوحة الذي يوصف بأقذع الألفاظ في الخرطوم فاذا صار الزعماء إلي الدوحة فان الدوحة وحدها هي لسبيل الي الوصول الي الحل .ان موقف الحكومة من قضية دارفور موقف واضح ويشمل تقويمها لجهات التفاوض ومنابره وأطرافه .وموقف الحكومة أنها ملتزمة بالتفاوض للوصول الي حل شامل مع من يحمل السلاح لكي يضع السلاح كما نها تعمل علي الأرض مع المتأثرين المباشرين بالأزمة في دارفور عبر إستراتيجية واضحة المعالم كان غاية جهد الفئة المعارضة ان تدير اليها خد المعرض المكابر .وعلي الرغم من ان الإستراتيجية قد أوصلت مباشرة الي أيادي جميع الفاعلين في الفئة المعارضة كما أوصلت لأيادي الشركاء المحليين والدوليين فقد تسلمت أمانة ملف دارفور ردودا موضوعية من جميع الشركاء المحليين والدوليين سواء كانوا منظمات إنسانية او مبادرات مجتمع مدني او منظمات دولية ولكنها الفئة المعارضة لم تجر جوابا سوي الهجاء السياسي .وعلي الرغم من ذلك كله فنحن نؤمن ان مقارنة القومية لحل مشكلة دارفور هي المقارنة الصحيحة .ولذلك فان التوافق علي حل شامل ونهائي لمشكلة دارفور واحدة من أجندة الحوار الوطني بيد انه يتوجب علي المعارضين في هذه المرة ان يأتوا للحوار بقلب سليم . تحدي العلاقة مع الجنوب : تحد تجنب لحرب مع الجنوب وبناء علاقة موجبة تصب لصالح الطرفين امر ظل يشغل اللجان الثنائية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية .أما الآن فيتوجب ان يتوسع الجانبان ليشملا كافة الأطباق السياسية والمدنية الفاعلة شمالا وجنوبا .ولاشك ان كل ذي عقل سليم ورأي سديد يدرك ان إحالة الانفصال الي حالة انفصال سياسي فحسب هو أفضل الخيارات للشمال والجنوب .ولذلك فالتواصل الي عقد اتفاقات تنظيم التواصل الاجتماعي والاقتصادي والثقافي أمر مهم وعاجل في ان واحد .ويمكن لأحزاب الفئة المعارضة ان تساهم بأفكار واقتراحات وآراء .ويمكن الأخذ بتلك الأفكار والاقتراحات والآراء فلم ندع يوما من الأيام ان الصواب قد أنحار الي المؤتمر الوطني .وان الخطأ قد ضرب أطنانه في معسكر الفئة المعارضة .ولا يزال نص الرأي عند أخيك ولا يزال بعض الرأي عند خصمك وعدوك . تحيات الاقتصاد ولئن كان ما تسميه الفئة المعارضة أجندة وطنية لم يخرج عن القضايا السياسية وفاقا لنهج (الملاءم السياسية )فان تحديات الوطن الكبري بعضها اقتصادي وبعضها ثقافي .ومن القضايا الاقتصادية الكبري هو تهيئة الاقتصاد الوطني لفترة صعبة يمر بها العالم الثالث في مناخ الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار الغذاء .فلن يجدي المعارضة ان تتحدث عن غلاء الأسعار وتتخذ ذلك مفردة للهجاء السياسي للفئة الحاكمة .فغلاء الأسعار له أسباب موضوعية وهو مشكلة مرشحه للتفاقم ما لم تتخذ الإجراءات والسياسات المناسبة منذ وقت مبكر وأسبابها بعضها داخلي يتعلق بضعف الإنتاج والإنتاجية الزراعية والصناعية في السودان .ولأسباب بعضها يتعلق بأسباب موضوعية وبعضها يتعلق بضعف الأداء للعاملين وللمديرين ولمخططي السياسات ت .والسودان مؤهل لتحويل محنة غلاء أسعار الغذاء الي منحة .ذلك انه مؤهل للتوسع الكبير في الإنتاج والإنتاجية للمنتجات الغذائية وفي الصناعات التحويلية المتصلة بها .ويكفي السودان ان يحقق الاستقرار وان يوفر الموارد عبر الموارد الذاتية وعبر اجتذاب المستثمرين لشراكات ذكية مع رجال الإعمال السودانيين او مع مع شركات شركات المساهمة الوطنية او مع الدولة .وأزمة غلاء الأسعار مثلما تتصل بغلاء الأسعار العالمية وضعف الإنتاج المحلي تتصل أيضا بضعف شبكة الخدمات التجارية وضعف التنظيم في هذا المجال .وغياب الوسائط المساندة للتقنين غير الإداري للأسعار من خلالا توسيع شبكة التعاونيات .والخروج تماما من الدعم الشامل الي سياسة الدعم المتقاطع التي تستهدف دعم الوسائط التعاونية حتي الية لتقنين الأسعار . قضية أخري من قضايا الاقتصاد ألكبري هي قضية التشغيل وهي وان كانت مرتبطة من جهة بقضية الإنتاج الزراعي والصناعي والاستثمار فهي مرتبطة من جهة ثانية بقضية نوعية التعليم وجودته وملاءمته للاحتياجات الاقتصادية .فالتوسع في التعليم هدف لا يزال تحديا رئيسيا أمام الشعب السوداني ولكن لابد ان ينظر اليه دائما مع قضية جودة التعليم من حيث المحتوي ومن حيث الاستجابة لمتطلبات النهضة الاقتصادية للبلاد .وقضية التشغيل لابد فيها من توافق وطني علي الحلول او معالجات اسعافية قصيرة ألمدي ثم حلول متوسطة المدي ثم إحداث التناسق التام بين حرية الاقتصاد وتشغيل العمالة وتقليل البطالة تحدي الهوية : أما التحيات ألكبري في المجال الثقافي فاهمها بناء الوطنية السودانية علي حد ادني من التوافق علي الأسس التي تشكل سودانية السوداني أيا كان لونه او جنسه او دينه .ولا يعني هذه ان الإجابة هي تلك التي يسارع بها تلاميذ مدرسة الانصياع الحضاري للغرب .واعتماد العلمانية الغربية أسلوبا لتعريف أنفسنا ووصف حياتنا وتحديد مقاصدنا .ولكنه لا يعني أيضا التفسير الايدولوجي الضيق لمعني الامتثال للشريعة الإسلامية الذي يفرض الرؤية الإسلامية علي من امن بها ومن لم يؤمن بها والأنموذج الأمثل في هذا الشأن هو الاقتداء بدولة الرسول صلي الله عليه وسلم في المدينة التي عاش فيها الفرقاء من مؤمنين وغير مؤمنين تحت الشعار النبوي الكريم (لهم ما لنا وعليهم ما علينا )فان شاء البعض ان يطلق علي ذلك دولة المواطنة فلا باس ومن أراد تسميتها بالدولة المدنية فلا باس ولكنها لن تكون في يوم من الأيام دولة تتنازل فيها الأغلبية عنة امتثالاتها .ولا دولة تقهر فيها الأقلية علي خلاف حقها الطبيعي في ان تؤمن كما تشاء أو تكفر كما تشاء .نقلا عن صحيفة السوداني بتاريخ:6/2/2011م