جاء لقاء السيد رئيس الجمهورية مع الفئات الحية بحزبه والعناصر الفاعلة فيها مغايراً لكل ما تعرف عليه الناس وجاء خطابه الشفهي مضيئاً كثيراً من تحديات المرحلة السياسية، وقد سبقه لمخاطبة اللقاء أمناء الشباب والطلاب والمرأة الذين أرسلوا رسائل محددة معرفين فيها بدورهم في المجتمع ومطالبين ببعض المطالب الفئوية وهواجس تلك القطاعات خاصة فيما يتعلق ببطالة الشباب ومشكلة الطلاب الشماليين والتي وجدتا أذناً صاغياً وتوجيهات فورية من الرئيس. × جاء اللقاء مليئاً بمفردات العاطفة والمنطق، بدأ الخطاب متجهاً للمشهد السياسي وما يتعلق بتقرير المصير وانفصال الجنوب، فقال إن توجههم في ثورة الإنقاذ الوطني للسلام كان توجها حقيقيا فبعد أن حققوا الانتصارات العسكرية في كل الجبهات، جبال النوبة والنيل الأزرق والجنوب كان البعض يأمل أن لا يذهبون للتفاوض بعد تلك الانتصارات وقطع الرئيس القول بأنهم لهم يذهبوا للسلام مجبورين بل عن توجه حقيقي معزز بانتصارات الميدان وآخرها في معركة توريت... التذكير بهذه الحقيقة كان مهماً لمعرفة الأوضاع التي ولدت فيها اتفاقية السلام، وكانت الانتصارات شبه حاسمة ونهائية حتى أن البعض كان يطالب بعدم الذهاب للمفاوضات. كما تناول الرئيس البشير تداعيات انفصال الجنوب وأكثر وجدد موقفه المعلن بقبول خيار أبناء الجنوب، وتأكيده بأن الروابط التي ظلت قائمة لمدة 100 عام ستجعل العلاقة بين الشمال والجنوب أقوى من أي علاقة بين دولتين في العالم. تأكيد كبير من الرئيس بأنه لن يضار مواطن جنوبي بسبب الانفصال وقال في المنحنى ذاته أن خيار الطلاب يصلون إليه بشأن الطلاب الشماليين في الجامعات الجنوبية سيكون هو قراره وأعلن أنه سيتخذ القرار الذي يأتيه من الطلاب سواءً بإنشاء جامعة جديدة أو توزيع الطلاب على بقية الجامعات ما يوحي بأن الرئيس متابع لهذه المسألة وهو سيتخذ بحسب ما أعلن قراراً يمثل رغبة الطلاب وهي إنشاء جامعة جديدة تستوعب الطلاب الذين يدرسون في الجامعات الجنوبية، وما طمأن الحضور مطالبته بعدم الاستماع لأي رأي آخر. وبحسب متابعاتنا فإن قراراً متوقعاً صدوره في مقبل الأيام القادمة من رئيس الجمهورية بهذا الشأن وهو حلاً ناجحاً سيجد قبول الأسر، كما أن في هذا الأمر ويبعث بالاطمئنان للأسر التي باتت تتخوف على مستقبل أبنائهم الأكاديمي. وفي لغة مفهومة بأنه لن يضار أي جنوبي من الانفصال ما يطمئن ويجعلهم أكثر استقراراً للاستمرار في أعمالهم وجامعاتهم. لكن إصرار واضح مدعوم بموقف ثابت بألا موافقة على الجنسية المزدوجة وأن المنطق في ذلك إذا كان الأمر كذلك فأحسن كان يختاروا الوحدة وطالما أنهم اختاروا الانفصال فإن أمر الجنسية متروك للدستور هو الذي ينظم ذلك مع إعلان رفض تام للجنسية المزدوجة. وتطرق الرئيس في خطابه للقطاعات (المرأة والطلاب والشباب) إلى القضايا العالقة وتناولها بكثير من التفعيل.. أبيي قال فيها إن ما يتعلق بتقرير الخبراء للشمال أو الجنوب يحسمه فقط الاستفتاء. هو استفتاء يكون لكل السودانيين بأبيي وأن المسيرية هم جزء من الذين يحق لهم وقال بشكل قاطع لن يجري استفتاء من دون مشاركة المسيرية لأنهم جزء من سكان المنطقة. × أما الخلافات في الحدود أشار الرئيس إلى أن المقينيص وجودة في النيل الأبيض وكاكا التجارية ستكون للشمال، مشيراً إلى أن الحدود بين جنوب دارفور تشير إلى أنها 14 كيلو جنوب بحر العرب رغم أن الرزيقات هنالك يصلون في مراعيهم حتى 40 كيلو، وأشار إلى أنهم سيطالبون ب14 كيلو حسب الخارطة وليس 40 كيلو التي هي مسافة الرعي. وتمنى البشير أن تشهد الفترة الانتقالية الانتهاء من حل كافة القضايا العالقة. وأن تحسم كل القضايا بالحوار لأنه ذلك مدخل للتعايش وضمان لعدم عودة الحرب وضمان التعاون بين دولتي الشمال والجنوب. ويبدو أن الجنوب الذي قبل بانفصاله بعد إعلان نتيجة الاستفتاء أصبح في حاجة أكثر لترتيب القضايا المختلف حولها مع الشمال لضمان جوار آمن ولدعم العلاقة بين الدولتين اقتصادياً وثقافياً وسياسياً ولا يخفى الجانب الاجتماعي من القضية. رسائل رئيس الجمهورية لم تقتصر على الجنوب والانفصال فتابع خطابه إلى تناول الأوضاع الاقتصادية فقدم دفوعات تفسر الإجراءات الاقتصادية مبدياً تعاطفه مع الفئات الضعيفة التي هي أكثر تأثيراً، وقال إن الأزمة الاقتصادية العالمية لها تداعيات سالبة كما أن الخلل الذي وافق الفترة الماضية بالاعتماد الكلي على البترول أسهم في هذا الواقع كما أن زيادة الاستهلاك في السكر والدقيق زادت من العبء على المساءلة برمتها لتضاف لبقية العوامل، وأن هنالك دعما مباشر للأسر الفقيرة ل500 ألف أسرة وزيادة الكفالة للطلاب وإعطاء منحة خاصة لمواجهة آثار هذه الزيادات في الأسعار وقال إن الدعم الذي كان يقدم للمواد البترولية كان يستفيد منه حتى المنظمات الدولية والأغنياء الذين لم يكونوا في حاجة للدعم من الذين يستهلكون كميات كبيرة من البترول في هذا فإن رئيس الجمهورية أشار لفلسفة الزيادات الأخيرة والناجمة عن زيادة الاستهلاك من جهة وأن أي دعم مع وجود حدود مفتوحة لا يجدي لأن سعر السكر العالمي يصل بالجوال حتى للأسواق بحوالي 200 جنيه، وأن الزيادة شملت السعرين لضمان عدم تهريب السلع. × وعرج الرئيس البشير إلى مطالب الشباب الخاصة بمشاريع التوظيف وتمويل المشروعات الصغيرة، وأكثر الرئيس أنه وجد بتخصيص 12% من التمويل للشباب وأنه إذا لم تنفذ البنوك ذلك فإنه يطلب من بنك السودان أخذها وتكوين محفظة خاصة بذلك.. ودعا الشباب للتقدم بمشروعات ودراسات وجدوى اقتصادية لتنفيذ مشروعات إنتاجية وقال أي مشروعات جاهزة نحن جاهزين لدعمها. وبذلك رمي الكرة في ملعب الشباب الذين عليهم الاستفادة القصوى من هذا التوجيه من رئيس الجمهورية، وقال إنه حينما تم اقتصار عامين، سنة في بداية القبول وأخرى من الفترة الدراسية لا ليتخرجوا ويكونوا عطالة، وقال إن البلاد بحاجة لكل طاقات الشباب للبناء. هذه النقاط التي اخترناها من خطاب الرئيس المطول للشباب أردنا من خلاله أن نضيء الأفق للذين وضع فيهم الثقة لأداء واجبهم على نحو يجعل الآمال ترقي ويكفي أن نقول بأن ارتداء ثورة التعليم ليكون الشباب عطالة أمر لا يتسق مع طموح شعب يريد أن ينهض وأن الذين يرفعون صوتهم بالمطالبات عليهم الآن وفقاً للحديث الضامن والواضح بالبحث عن مشروعات حقيقية وليس مجرد شعارات وهتافات ومطالب معلقة. كيف يستقبل الشباب توجهات الرئيس بالاستفادة من الفرص المتاحة؟ هنا تكمن أهمية الأمر. لقد جاء خطاب الرئيس في مرحلة سياسية مهمة من تاريخ البلاد، تتطلب العقول المتفتحة والسواعد الفتية والتوجه للإنتاج والعمل وفتح كل السبل لتفجير طاقات الشباب. نقلاً عن صحيفة الرائد 10/2/2011م