إذا كانت أهم مشكلة ستواجه الفائز برئاسة حكومة الجنوب في الانتخابات القادمة إذا لم يكن هو مرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان ورئيسها وقائد جيشها الشعبي في الجنوب الذي حل محل قوات الشعب المسلحة التي أعيد انتشارها في الشمال بعد أن انسحبت من هناك وفق بروتكول الترتيبات الأمنية أحد بروتكولات اتفاقية نيفاشا وأغربها وأعجبها، إذا كانت أهم مشكلة ستواجه من يفوز برئاسة حكومة الجنوب المستقلة عن سلطة الخرطوم، إذا لم يكن سلفا كير وكان مثلاً الدكتور لام أكول، هي وضع الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة سلفا كير تحت سلطة الحكومة المنتخبة. فالسؤال «الأمني جداً» هو: هل سيستعين رئيس حكومة الجنوب المنتخب في سلطته بقوات الجيش الشعبي باعتباره جيشا حكوميا ترصد له الميزانيات من أموال الإقليم الجنوبي، بعد أن تستلم من حكومة الخرطوم؟! أم أن هذه النظرية «التنفيذية» في ظل الحكومة الديمقراطية سيتعذر نقلها إلى التطبيق باعتبارها غير عملية، خاصة إذا كان الرئيس المنتخب هناك هو المنشق عن الحركة الشعبية الدكتور لام أكول الذي قدمه الآن منبر حوار الأحزاب الجنوبية مرشحاً موحداً لهذه الأحزاب؟! وكان ينبغي أن يوجه هذا السؤال الى رئيس الحركة الشعبية التغيير اليمقراطي نفسه الدكتور لام أكول، فهو المفترض فيه إنه أكثر الناس هماً وغماً بالإجابة عليه، إذ أنه المرشح المنافس لرئيس الحركة الشعبية وقائد الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية. وتبقى فرص فوز لام أكول المنشق عن الحركة الشعبية كبيرة بعد خمسة أعوام لتجربة حكم حركة سلفا كير ورياك مشار للجنوب، وكل الشعب الجنوبي يشاهد على مختلف الأصعدة الأمنية والخدمية والتنموية حصاد هذه التجربة المريرة. وهذا ما قد يوفر فرصة الفوز للدكتور لام أكول. لكن سيبقى في هذا الوقت السؤال قائماً: بأي جيش وشرطة واستخبارات سيقود الدكتور لام أكول إذا فاز - الحكومة المنتخبة؟!. هل سيوضع الجيش الشعبي تحت إمرته؟ أم سيستعين بقوات حفظ السلام الأجنبية ليكون شأن حكومته شأن حكومات بعض «الدويلات» التي تحميها - من أجل المصالح النفطية واستقرار دولة الاحتلال اليهودي - القواعد العسكرية الأميركية التي تمخر سفنها عباب المياه المالحة؟! نعم بماذا يمكن أن يرد الدكتور لام أكول على هذا السؤال؟! إن الترشيح لرئاسة حكومة الجنوب يبدو إنه - بحكم قضية تبعية الجيش الشعبي - لا يحتمل غير مرشحي الحركة الشعبية من الناحية العملية، وأن إجراء الانتخابات في الجنوب سيكون من قبيل تصميم «الديكور الديمقراطي» لاستبقاء الأوضاع على ما هي عليه، ولن تفيد مع سلطات الحركة الشعبية في الجنوب رقابة لسير الانتخابات، سواء أكانت محلية أو خارجية، وذلك لأن الرقابة الأهم على الأوضاع الأمنية والمال العام وبيئة الخدمات لم يعرها المجتمع الدولي اهتماماً، وكأنه يفضل استمرار الحركة الشعبية في الحكم بأية صورة وبأي ثمن على حساب شعب الجنوب المغلوب على أمره. فالرقابة لم تجدها الأولويات المباشرة وهي الحاجات الماسة، فماذا ستفعل مع إجراء انتخابات لإقليم مستقل وهو وسط الطريق إذ أنه فارق جسم الدولة السودانية ولم يصل الى مربع الدولة السوية التي ينعم فيها المواطن - على الأقل - بالأمن الشخصي. لن نتحدث عن احتمال تزوير انتخابات «الجنوب»، لأننا هنا بصدد الحديث عن «احتمال» أن تخسر الحركة الشعبية بقيادة سلفا كير الانتخابات، وحتى إذا وقع التزوير لصالح بقاء حركة سلفا كير في الحكم وتعامل الناس مع ذلك كأمر واقع، وتحوّلت حكومة الجنوب من «انتقالية» إلى «منتخبة» بنفس الطاقم الحاكم، فهذا يعني أن الجيش في ظل هذه الحكومة المنتخبة هو «الجيش الشعبي لتحرير السودان» التابع للحركة الشعبية لتحرير السودان، أي أن كل ما جرى هو لمسات ديكور ديمقراطي أو رسم ديمقراطية ديكورية.. إذن إذا خسرت الحركة الشعبية ل «الديكور الديمقراطي» الانتخابات وفازت برئاسة حكومة الجنوب الحركة الشعبية «للتغيير الديمقراطي» بقيادة لام أكول، أو قل فازت الأحزاب الموالية للام أكول باسم منبر حوار الأحزاب الجنوبية وبرئت حركة سلفا كير من تهمة التزوير طبعاً، فهل ستلتزم حركة سلفا كير بمنطق اتفاقية نيفاشا، وتعتبر جيشها الشعبي جيشاً قومياً في إطار «الجنوب»، إلى حين إعلان نتيجة الاستفتاء أحادي الجانب حول تقرير مصير الجنوب؟!. أم أن المسألة أصلاً كما قلنا «ديكور ديمقراطي»؟!