الكثيرون من قادة الحركة في قطاع الشمال حين يستشعرون الحرج ازاء توجه الحركة نحو الانفصال – وفي غمرة شعورهم بالضياع السياسي- حين يقرر الجنوب الانفصال وقطاع الشمال من الاساس يعاني علة سياسية مزمنة وداء عضال يزعمون أن امكانيات الوحدة موجودة وحين يسالون عن ذلك يجيبون وفي سيماهم حرجاً سياسياً أن امكانية الوحدة تتمثل في سودان علماني – قال بذلك القيادي الشمالي بالحركة محمد المعتصم حاكم وقالها وظل يرددها من قبل ياسر عرمان وقالها في سوانح عديدة باقان أموم وحوصر في احدي المرات القيادي أيثم قرنق (فاضطر) للحديث عن ذلك . وهؤلاء القادة ومعهم بعض اخر ممن يطلق عليهم (أولاد قرنق) يقال أنهم وحدويون ولكنهم يشترطون للوحدة تفسيرهم الخاص للوحدة الجاذبة في أن يتخلي الشمال تماماً عن الشريعة الاسلامية وتوجهاتة الفكرية الحالية. والواقع انه وفضلا عن أن الوحدة الجاذبة هذه ليس هذا هو المقصود بها مطلقاً ولا كان شرط بقاء السودان موحداً وفقاً لاتفاق السلام الشامل في نيفاشا 2005 أن يحكم السودان بعلمانية تفصل الدين عن الدولة فان هذا الاشتراط فيه تضليل معتمد للمواطنين الجنوبيين من جهة وتضليل اخر أكثر خبثاً وخداعاً للمجتمع الدولي. التضليل بالنسبة للجنوبيين يتمثل في أن هؤلاء المواطنين لن تطبق عليهم الشريعة هذه وهو ما عايشوه وخبروه الان طوال الأعوام الخمس المنصرمة حيث كفل الدستور الانتقالي لسنة 2005 لكل اقليم الحق في التعامل بالقوانين والتشريعات التي يراها ويقرها وحتي في الشمال هنا فان المواطنين الجنوبيين لديهم (استثناء) من أحكام الشريعة بل ومضي الامر لابعد من ذلك – وهو ما لم يتوفر في أي دولة مشابهة – بانشاء مفوضية خاصة لمراعاه حقوق غير المسلمين أية أحكام لا تقرها أديانهم. والدستور الانتقالي نفسه أعطي لكل مواطن الحق في تولي الوظائف العامة بما في ذلك الوظائف الدستورية من أعلي الهرم – الرئاسة – وحتي أدني وظيفة علي اعتبار أن الدولة السودانية – وفقاً للدستور – قائمة علي المواطنة وليسي علي أي اعتبار اخر فالمواطنة هي اساس الحقوق والواجبات. اذن ما الذي يضير الجنوبيين في أن يظلوا ضمن السودان الموحد وتحكمهم (شرائعهم ومعتقداتهم الخاصة) ؟ هل طلب الشمال من الجنوبيين اتخلي عن العلمانية كشرط لقبولهم ضمن الدولة السودانية؟ ان المهارة السياسية – ان كان للحركة هذه المهارة – ينبغي أن تتجلي في نضالها -ولو لمتد لقرون -لتطبيق برنامجها علي مستوي السودان عبر التداول السلمي للسلطة وعبر المناخ الديمقراطي لا أن يتم تصوير الامور وكأن الدولة السودانية كلفظ اقليمها الجنوبي لمجرد تمسكها بقوانين مستمدة من تقاليد وواقع معاش. لكل ذلك فان السؤال يظل قائماً حول طبيعة الاسباب التي تدفع الحركة الشعبية للسعي لفصل الجنوب بعيدا عن مزاعم العلمانية هذه والأ كذوبة التي لم تعد تصلح للتداول والاقناع!!