وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    قرارات اجتماع اللجنة التنسيقية برئاسة أسامة عطا المنان    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    مناوي : حين يستباح الوطن يصبح الصمت خيانة ويغدو الوقوف دفاعآ عن النفس موقف شرف    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد العسال..المربي القرآني

فقدت الأمة الإسلامية السبت 10/7/2010 العالم المصري الدكتور أحمد العسال رئيس الجامعة الإسلامية بباكستان سابقا وأحد علماء الأمة ومن الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين عن عمر يناهز 82 عاما وذلك بعد حياة حافلة بالعمل في خدمة الدعوة الإسلامية . والفقيد متخصص في الثقافة الإسلامية، وله باعٌ طويل في تأليف المناهج الإسلامية والعديد من المؤلفات في مختلف المجالات الإسلامية، وأسس دار الرعاية الإسلامية في إنجلترا، كما رافق العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في الدراسة بالأزهر الشريف. وفيما يلى نبذه عن حياته الحافلة.
تحول بالممارسة وبمرور الأيام من وارث للتربية الإسلامية إلى مورث لها، عندما كنت تراه ينزل من بيته ساعياً إلى المسجد يهمس في أذن البواب يدعوه إلى صلاة الجماعة أو واقفاً مع رواد المسجد عقب الصلاة في دائرة محبيه يتفقد أحوالهم ويتحدث معهم حول معنى آية أو حديث شريف في بساطة وتلقائية ، وعندما تراه وهو يصلى بالناس إماماً يختار من الآيات ما يؤثر في قلوب المصلين وفي دعائه في الفجر تجد من ضمن ما يدعو قوله: " اللهم اجعلنا لك ذاكرين .. لك شاكرين .. إليك منيبين .. ولا تكتبنا في الغافلين .. اللهم اجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين "، تدرك تماماً تمكنه في مجال التربية والإرشاد والتوجيه‎
غلفت الدعوة كل حياته ، فتحرك بها ، وامتدت جسور معارفه إلى كل رموزها ، وبقدر ما كان صديقاً للنخبة كان بكل تواضع أباً وأخاً للبسطاء ، لا ينسى أهله وأقاربه ، رزقه الله بأخوة وأخوات ، وأبناء إخوة وأبناء أخوات ولم يرزقه بالأولاد فصبر هو وزوجه صبراً جميلاً وفوضا أمرهما لله ، فعوضهما الله خيراً بأبناء الأخوة والأخوات فلا تجد بيته يخلو من أحد منهم‎.‎
كان يؤمن بأن الداعية رجل أفعال يحتاج إلى زاد فكرى لا ينضب وخير زاد للداعية القرآن الكريم، وكان يرى أن للقراءة أهمية خاصة لكل من يدعو إلى الله، بل هي الخلفية القوية التي يجب أن تكون وراء الفقيه والداعية. وضحالة القراءة أو نضوب الثقافة تهمة خطيرة للمتحدثين في شؤون الدين‎.‎
كان يقول: "إن القراءة –أي الثقافة- هي الشيء الوحيد الذي يعطي فكرة صحيحة عن العالم وأوضاعه وشؤونه، وهي التي تضع حدوداً صحيحة لشتى المفاهيم. وكثيراً ما يكون قصور الفقهاء والدعاة راجعاً إلى فقرهم الثقافي. ولا بد للداعية إلى الله أن يقرأ في كل شيء .. يقرأ كل منازع الفكر البشري المتفاوتة؛ ليعرف الحياة والمؤثرات في جوانبها‎".‎
الدكتور العسال كان رجلا قرآنيا، فهو مع القرآن أبداً، يديم القراءة له، والتأمل فيه، والتدبر لآياته، حفظ القرآن حفظاً جيداً منذ صباه، فقلما تند منه آية أو كلمة، أو تلتبس عليه آية بأخرى، وهذه المعايشة الدائمة للقرآن جعلت معانيه ومعارفه بين يديه، وكأنه جنة دانية القطوف، يقطف من ثمارها ما شاء الله. شعاره في هذه الدنيا قول الله عز وجل : ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ... لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام: 162-163‎).‎
الميلاد والتكوين
ولد الدكتور أحمد العسال في السادس عشر من مايو عام 1928م، بقرية الفرستق التابعة لمركز بسيون بمحافظة الغربية ، حيث سمات البيئة الزراعية المنتجة وحيث الصفاء الروحي والذهني والهدوء والسكينة وكل القيم الإنسانية الجميلة التي تتسم بها المجتمعات الزراعية‎ .‎
نشأ في أسرة مترابطة تعشق العلم وأهله ، ففي سنوات عمره الأولى حرص والده على أن يحفظه القرآن الكريم كاملاً ، فتتبع مشايخ القرية الجيدين، ونقله من شيخ إلى شيخ حتى أتم حفظ القرآن في سن العاشرة والنصف، وحصل على جائزة الملك فاروق التي خصصها لمن يتم حفظ القرآن كاملاً قبل سن الثانية عشرة‎.‎
وأثناء حفظه للقرآن بالكتاب كان يذهب إلى المدرسة وحصل على الشهادة الابتدائية ، ثم قدم له والده في المعهد الديني الأزهري الابتدائي بطنطا ، وهناك تزامل مع الشيخ يوسف القرضاوى في فصل واحد‎ .‎
وفي يوم من الأيام بعد خروجه من المعهد شده منظر " جوالة الإخوان المسلمين " تقف في الشارع وتهتف : " الله أكبر ولله الحمد " فهزته تلك الهتافات ومضى خلف الجوالة وعرف مقر شعبة الإخوان بطنطا‎ .‎
تتلمذ في المعهد على يد الأستاذ البهي الخولي صاحب كتاب " تذكرة الدعاة " وأحد أبرز أعضاء الإخوان في ذلك الوقت، فتولاه وزملاءه بالتربية وكان يجلس معهم مرتين في الأسبوع يومى الأحد والثلاثاء كما كان يلتقي بهم مرة كل شهر في " كتيبة الذبيح " في جو روحاني إيماني مؤثر ، كما كان يعدهم بدنياً ورياضياً الأستاذ أحمد إمام ( زوج أخت زوجته فيما بعد ) ، الذي كان يسير بهم في طابور الجوالة في بعض الأحيان لمسافة 10 كيلومترات، كما تأثر بشدة بالأستاذ أحمد البس مدرس الإبتدائي ابن قرية القضابة ببسيون الذي لم يترك وسيلة لنشر الخير إلا واتبعها بكل بساطة وتلقائية ، كما كان شديد التأثر بوالده " محمد العسال " الذي كان شغوفاً بالقرآن الكريم ويذكر له عادته في وضعه يده اليمنى على رأس الطفل من أطفال العائلة شديد الصراخ والبكاء تالياً قول الله عز وجل " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله " ويظل يكرر في قوله " خاشعاً " حتى يهدأ الطفل ويكف عن الصراخ والبكاء‎ .‎
ولما دخل الثانوي تدرب على الخطابة وانضم لقسم نشر الدعوة في الإخوان وكان يخطب الجمعة في القرى المحيطة بطنطا، وشارك في عقد وتنظيم المؤتمرات المنادية بمطالب الأزهريين ومساواتهم بغيرهم من خريجي الجامعات المصرية ، فكان يحضر المؤتمرات التي يعقدها طلاب الأزهر في عواصم المديريات مع ممثلين عن المعاهد الدينية في أنحاء المملكة المصرية وقد حددوا فيها مطالبهم ونقلوها إلى المسئولين بالأزهر والحكومة المصرية ومنها‎ :‎
‎- إعادة النظر في المناهج والكتب الدراسية‎ .‎
‎- الاهتمام بالجانب التربوي والسلوكي لطلاب الأزهر‎ .‎
‎- إدخال اللغة الإنجليزية إلى المعاهد الأزهرية‎ .‎
‎- فتح باب الكليات العسكرية والمدنية أمام حملة الثانوية الأزهرية‎ .‎
‎- فتح معاهد دينية للفتيات‎ .‎
‎- إعادة فتح باب الدراسات العليا وتعيين معيدين بكليات الأزهر‎ .
ولم يكتف هو وزملاؤه بعقد المؤتمرات، ورفع المطالب والتوصيات بل كانوا أحياناً يدعون إلى الإضراب أو تنظيم المؤتمرات ، وكثيراً ما حدث صدام بينهم وبين الشرطة وتعرضوا للإيذاء من أجل الأزهر‎ .‎
ومرت السنون وجاءت حرب فلسطين 1948 وتطوع فيها عدد كبير من الإخوان لقتال الصهاينة، وكانت النتيجة حل جماعة الإخوان واعتقال أعضائها، فقام مع زملائه بالأزهر بعمل إضرابات ومظاهرات تنديداً بحل الجماعة ، واعتقل هو وزملاؤه من الطلاب إثر هذه المظاهرات وتم ترحيله من قسم أول طنطا إلى الهايكستب ، ثم إلى معتقل الطور ، وكان الشيخ محمد الغزالى هو مسئول الإخوان في معتقل الطور وكان معه في المعتقل الشيخ يوسف القرضاوى والشيخ عبد المعز عبد الستار والشيخ السيد سابق‎ .‎
ظل في المعتقل 9 أشهر ، وتخلف عن أداء الامتحانات لكن قام الدكتور طه حسين وزير المعارف آنذاك بعمل امتحان استثنائى لجميع الطلاب المعتقلين ونجح فيه، وتقدم لكلية الشريعة وتقدم صديقه يوسف القرضاوى لكلية أصول الدين‎ .‎
إلى الجامعة
وجاءت المرحلة الجامعية واستمر نشاطه المعتاد داخل الإخوان في المجالات التى كان له بها صلة قوية : في قسم نشر الدعوة ، وفي قسم الطلاب ، وفي قسم الاتصال بالبعوث الإسلامية‎ .‎
وفي أواخر سنة 1953 شارك في إنشاء لجنة ( البعث الأزهري ) مع مجموعة من الأزهريين الواعين والمخلصين لقضية الأزهر: يوسف القرضاوى وعلى عبد الحليم محمود ومحمد المطراوي ومحمد الراوي وصلاح أبواسماعيل ومحمد عبد العزيز خالد ومحمد الدمرداش مراد ومحمد الصفطاوى وغيرهم إلا أن هذه اللجنة لم يكتب لها الاستمرار بسبب حل جماعة الإخوان للمرة الثانية على يد رجال انقلاب يوليو وأعيد اعتقاله وظل في السجن حتى يونيو 1956م ، فخرج وأتم دراسته بكلية الشريعة بالدراسة ، وبعد تخرجه منعته الحكومة المصرية من التعيين في أي مؤسسة تابعة لها ، فعمل فترة في المدارس الخاصة بمصر الجديدة وكان الشيخ أحمد حسن الباقورى وزير الأوقاف يعرفه جيداً فساعده هو وإخوانه الذين يعرفهم من خريجي الأزهر للعمل في وزارة الأوقاف في مجلة منبر الإسلام ثم نقل إلى مكتب الشيخ محمود شلتوت بإدارة الأزهر فكان عمله بالمكتب الفني للوعظ والإرشاد، أما صديقه الشيخ القرضاوى فكان في مراقبة البحوث والثقافة‎.‎
وعمل العسال بالمكتب الفني للوعظ والإرشاد ثم طلب من الشيخ شلتوت شيخ الأزهر أن يتوسط له للإعارة خارج مصر، فتوسط له وأوصله بالشيخ عبد الله التركي – مدير العلوم الشرعية في قطر – فوافق على سفره وسافر إلى الدوحة عام 1961 ، وسافر بعده صديقه الشيخ يوسف القرضاوى بعام دراسي ولما عادا سوياً إلى مصر في أول أجازة تم اعتقالهما من قبل المخابرات العامة في مبناها بسراي القبة لمدة 50 يوماً، وهناك أصيب بالزائدة الدودية وأجريت له العملية وهو رهن الاعتقال ، بعدها خرجا وذهبا إلى الدوحة ، ولم يتمكنا من العودة إلى مصر مرة أخرى‎.‎
ذهب العسال إلى إنجلترا لاستكمال الدكتوراه عام 1965 وحصل عليها من جامعة كمبردج بلندن في أصول الفقه عام 1968 ، وظل هناك حتى عام 1970 ، واستثمر هذه الفترة التي قضاها في لندن فأنشأ دار الرعاية الإسلامية الذي أصبح له الآن أكثر من 20 فرعاً ، وفي لندن اتصل به الدكتور عبد العزيز الفدا ليعمل معه بالمملكة العربية السعودية فوافق وذهب هناك عام 1970 ودرس مادة الثقافة الإسلامية بكلية التربية جامعة الرياض وهناك التقى بالعديد من إخوانه الذين سبقوه إلى هناك ومنهم الشيخ مناع القطان والأستاذ أحمد إمام ، وظل هناك حتى استدعاه الأستاذ عمر التلمسانى ، فقدم استقالته وعاد للقاهرة‎.‎
وجاءت أحداث سبتمبر 1981 وحاولت السلطات المصرية اعتقال العسال، لكن أحد أصدقائه من الأطباء مكنه من الهروب مرة أخرى إلى السعودية. ورأس قسم الدعوة في كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود عام 1984م‎.‎
تم تعيين العسال أستاذا بالجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد - باكستان حيث عمل نائباً لرئيس الجامعة ثم رئيساً لها وظل هناك حتى عام 2003 م، ثم عمل مستشاراً لنفس الجامعة ذات العضوية في اتحاد جامعات العالم الإسلامي التابع للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وشارك في تأسيس الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية كما شارك في تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين‎.‎
استطاع الدكتور العسال خلال عشرين عاماً قضاها في باكستان أن يرتقى بالعلوم والثقافة الإسلامية وأن يجعل من الجامعة الإسلامية هو ومن معه من أساتذة جامعة الأزهر صرحاً علمياً نشيطاً أثمر قوة وتحصيناً للعقيدة والتعاليم الإسلامية بين طلاب الدول الإسلامية القادمين من دول آسيا الوسطى و جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا و روسيا والقوقاز و البلقان ودول إفريقية لدراسة العلوم الإسلامية ، إضافة إلى أبناء المسلمين في الصين الذين يعانون من طغيان الفلسفة المادية ، ويعانون من ضعف الكوادر الإسلامية المثقفة التي تستطيع مواجهة التيارات المادية العاتية‎.‎
أخذ الدكتور العسال في تطوير الجامعة وتطوير مناهجها وجلب أساتذة الأزهر لها ، وأخذت وقته وجهده وفكره حتى قفزت قفزات سريعة أكاديمياً وعمرانياً ، وأصبحت خلال فترة قصيرة من الجامعات العالمية ، فخرجت قيادات طلابية مؤهلة تأهيلاً يناسب العصر ، وعلماء يقومون بإرشاد شعوبهم المسلمة متسلحين بسلاح العلم والتقوى لهم دور ملحوظ في كل ميدان من الميادين الدعوية‎ .‎
ارتبط العسال برموز الحركة الإسلامية في الكثير من مناطق العالم الإسلامي، والحقيقة أن الرجل في هذا المجال لم يكن شاهدا على العصر، بقدر ما كان جزءاً من التاريخ ، وربما كان صانعاً له في بعض المواقف والأحداث‎ .‎
كان مرشد الإخوان التلمساني يقول عن العسال:" إنه رجل يمثل نموذجاً للشخصية المسلمة المخلصة ، القادرة على التأثير بسلوكها في الآخرين ، متفائل دائماً ، شديد التأثر بالقرآن ، عميق في إسلامه ، صلب في مصريته ، وعالمي في أفقه‎ " .‎
وقرب عالم وداعية ومربى ومفكر في قامة أحمد العسال من تاريخ الحركة الإسلامية في القرن العشرين ، ودخوله في قلب تفاصيلها محلياً وعالمياً ، يجعله جزءاً لا يتجزأ من التاريخ الأدبي والفكري والدعوى ، وشاهداً امتلك صفة المشارك أو صانع الأحداث ، على مدى عقود من التحولات السياسية والأدبية والفكرية والاجتماعية‎
التربية قبل التأليف
ربما ظل الدكتور أحمد العسال مربياً وداعياً أكثر منه مؤلفاً ، فكتبه المؤلفة تعد على أصابع اليدين ، وربما فضل " الداعية المربى " التأليف الجامعي ، فكتب في كل المقررات الشرعية لإفادة الطالب المسلم ، فكان من أصحاب صنعة ورواد حرفة التأليف الجامعي ، والكتاب المقرر ، والتوزيع على الطلاب . كانت رغبته في البناء والتشييد أعمق ، فهو ينتمي إلى جيل إرساء القواعد‎.‎
واستطاع الدكتور العسال استيعاب كم هائل من المؤلفات في الثقافات المتعددة العربية والفارسية والتركية والهندية والصينية داخل الحضارة الإسلامية ، وكان مشروعه الفكري هو التمهيد لأجيال قادمة من أبناء المسلمين في البلاد غير الإسلامية لدراسة الإسلام ، وإعداد الخريطة العامة لعرض منهجه لهم ، بحيث يسهل الصعب ، ويفتح الأبواب للدخول . فكان نقطة التقاء يمهد الطريق للأجيال القادمة من الصين وروسيا واليابان لدراسة الإسلام على يد علماء الأزهر وأساتذته الذين استقدمهم للعمل معه في الجامعات الإسلامية بمكة والمدينة والرياض وإسلام آباد‎ .‎
كان الفراغ كبيراً لدى هؤلاء الدارسين من أبناء المسلمين يحتاج إلى ملء أولى في كل الميادين ، ودون هذا الحد الأدنى من الثقافة الإسلامية لما أمكن لهم البناء والتشييد بعد رجوعهم إلى ديارهم داعين ومبشرين بما درسوه من الإسلام الحنيف ولما أمكن لهم كذلك التحول من الاتساع إلى العمق ومن الأساس إلى البناء ومن القواعد إلى البيت ومن العام إلى الخاص‎ .‎
ساعده على القيام بهذه المهام التفرغ الكامل للمناهج الدراسية وكتابة المقررات ، والرغبة في البناء والتشييد في العمق أولاً وفي الارتفاع ثانياً‎ .‎
لقد ترجل فارس التربية والدعوة يوم 10 يوليو 2010 وتوفى عن عمر ناهز 82 عاما..رحمه الله رحمة واسعة وجزا الله خيرا عن المسلمين جميعا‎.‎


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.