هدأت حمي كأس العالم وهنأت اسبانيا بكأسها ، ومازال الإخطبوط بول في الواجهة وإن تراجع قليلا في الأخبار وأحدث ماورد في الأنباء محاولة استيعاب الإخطبوط في التنبؤات السياسية بخصوص الانتخابات في عدد من الدول حول العالم...!. مصدر الغرابة ليس في ما أثاره الإعلام الغربي حول إخطبوط عجوز عمره اقترب من الثلاث سنوات ليودع الدنيا ! مصدر الغرابة هو في السلوك الاجتماعي والنفسي والإعلامي لعالم الغرب الذي لطالما رسم صورة ذهنية في عقولنا عن انه موضوعي وعقلاني وعلماني وعلمي ! ومع ذلك يسلم عقله وقناعاته لإخطبوط يقول له من يكسب ومن يفوز؟ الغرب الذي أنجب جان جاك روسو وعقده الاجتماعي وسميث ودستوره الاقتصادي وديكارت ومنهجه وجون لوك وثورته البيضاء وداروين ونظرياته ونتشة وأبيقور وفكرهما وفولتير وشكسبير وأدبهما، باع كل ميراث عقلانيته المدعاة لمجرد إخطبوط كل حياته تستمرلثلاث سنوات..!. كم هو مدهش هذا الغرب وكم هو متناقض في داخله ، ذلك أن الحالة الأخطبوطية هذه تكشف عن رغبة دفينة في كشف الغيب الذي لطالما أنكره الغرب في ماديته والحاده كما هزأ منه الماركسيون من قبل ..وهو اليوم – أي الغرب – يفضح شهوته في معرفة نتيجة مباراة ولكنه لايجرؤ أن يجتهد بعقله ليعلم المصير النهائي للإنسان بعد الموت !؟ وهي حالة من الشيزوفرينيا (الفصام ) الذي يعتري المنهجية المادية الغريبة والتي فشل فيها دياليكتيكيا وهو ينقل لنا اختيار الإخطبوط في بث مباشر علي الهواء !. هذه الحالة الفصامية قرينة بكثير من السلوك الغربي تجاه قضايا كثيرة منها مايخص حرب العراق مثلا وما يجري من تحقيق فيها في لجنة خاصة في بريطانيا وما أدلي به وزراء ومسؤولون ومنهم جون بيرسكوت وزير الداخلية السابق حول أن العراق لم يكن يشكل خطرا علي العالم بالطريقة التي صور بها ..! ولكن لم يقولوا لنا من قاد جنود المملكة أصحاب الياقات الحمراء لشمس البصرة المحرقة ..! ليقاتلوا الشعب العراقي الأعزل ..!؟.ومن ورط بريطانيا في جبال أفغانستان ؟ ومن زج بدول من مثل الدنمارك والنرويج وهولندا في السياسة والحرب في العالم وهي لاتجيد سوي انتاج اللبن والجبن !؟. المدهش أكثر في مشهد الفصام الغربي هو السكوت المطبق لمفكري الغرب حول تصريحات بول ! ولم يتكرم علينا هؤلاء ولو بكلمة واحدة تعيد إعلامهم لصوابه ، ويقيني أن من سكت عن جريمة اجتياح العراق وغزو أفغانستان وتدمير غزة الصامدة فلن يجرؤ علي الكلام عن إخطبوط حقير في قفص ألماني من الزجاج !. والغرب الذي ضخم من قضية دارفور وصنفها ضمن القضايا الأكثر سخونة في العالم وزج برمز سيادتنا في مهزلة المحكمة الجنائية هو نفسه الذي سكت عن تغيير محاكم الإنجليز لقانون يبيح محاكمة جنود وقادة اسرائليين تسببوا في جرائم غزة ولوعوا أطفالها وقصفوها بالفسفور نهارا جهارا...!. أما والله لو كان هذا الإخطبوط بول في بلد للمسلمين وقال ماقال عن مباريات دورياتنا في مصر أو الخليج أو أي بلد عربي أو مسلم ..تخيلوا ماذا كان سيحدث ! بالتأكيد فإن مجلة مثل النيوزويك مثلا ستجعلنا المادة الرئيسية علي صدر صفحتها الأولي وسنصبح نجوما علي صفحات الواشنطون بوست والهيرالد والفيغارو واللوموند وديرشبيغل الكئيبة ! وستجدنا صحف التابلويد الإنجليزية بنزقها موضوعا دسما لها تغير فيه من أنباء الباباراتزي والبورنو قليلا !. سنرمي بأننا حقا متخلفون ورجعيون وأننا لانساير التطور الحديث وكيف أننا ليس لدينا مراكز للرأي العام ودراسات الرصد لرأي الجمهور الرياضي مع التقدم الهائل للتقنية كيف نعتمد علي إخطبوط ؟؟؟ ولو عرض ثري نفطي شراء الإخطبوط بعشرة ألف يورو مثلا لقالوا أننا قوم تافهون ..أما أن تعرض حكومة الأسبان مبلغ 30 ألف يورو لشراء وحماية الإخطبوط من المطالبين بشيه في النار من الألمان .. فهذا سلوك إنساني رحيم يستحق الإشادة..!. ولكن أين التنويريون في العالم العربي ..؟ أليسوا هم من يروج لنا كل يوم بضاعة الغرب ويسخر منا ويدعوا للعلمنة كحل وحيد ؟؟؟ أين هم دعاة ضرب الإسلامويين والمتطرفين ؟؟ لماذا صمتوا صمت القبور عن تفاهات اعلام الغرب وسقطاته وقد كان عليهم أن يكونوا أمناء علي علمانيتهم وفكرهم فيرفضوا هذا العبث السلوكي الممعن في الازدراء بعقل الإنسان الذي لطالما أوجعوا رؤوسنا بالحديث عن بنيته وتفكيكه وووو من الحديث السفسطائي الذي لانهاية له ..؟. نحن مسلمون نعم ، نفخر بعقيدتنا وديننا ونعتقد أننا برغم الوضع الحضاري المتخلف الذي نعيشه والتأخر الذي نحياه قادرون علي العودة مجددا لقيادة العالم طالما مازال أخطبوطي العقيدة ! نعترف للغرب بتفوقه المدني والتقني ولكنه يحتاج طويلا ليلحق بنا في إيماننا بالله الذي يجعلنا نرفض ترهاته ..ولكن ماذا لو سألنا الإخطبوط من ينتصر في أفغانستان ..الناتو أم طالبان ؟؟؟.... *معتز محجوب صحفي ومدير الإعلام بمنتدى النهضة والتواصل الحضاري