"منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    عثمان ميرغني يكتب: «منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود    مجلس السيادةينفي ما يتم تداوله حول مراجعة الجنسية السودانية    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون والسلطة في تركيا:التجربة الاربكانية نموذجاً (1-2)

لقد قامت الكمالية علي حساب إلغاء دور الدين في الحياة ونظام المجتمع واستمر الموقف من الدين (الإسلامي) محوراً للصراع السياسي والتجاذب الاجتماعي والمساجلات الفكرية علي امتداد عقود الجمهورية التركية. ومع إقرار نظام التعددية الحزبية في 1945م وإعادة الاعتبار لبعض المظاهر الإسلامية وتأسيس حزب النظام الوطني عام 1970م ثم بديله السلامة الوطني عام 1972م ثم وريثهما حزب الرفاه عام 1983م دخلت الحركة الإسلامية في تركيا مرحلة جديدة . إن هذه التجربة التي قادها البروفيسور نجم الدين أربكان ودفع بها الإسلام السياسي إلي الواجهة جديرة بالدراسة والتأمل والاستفادة من دروسها وعبرها داخل تركيا وخارجها .
ما من شك ان انقسام تركيا في السبعينات بين تيارات يسارية (موالية للاشتراكية وموسكو ) وبين تيارات يمينية معادية للشيوعية ، والأزمات الاقتصادية النفطية ، التي شهدتها وحاجتها الي دعم دول النفط العربية سهل من عملية " قبول" الاسلاميين _ المعادين بشدة للشيوعية - طرفاً في السلطة علي الرغم من إنتهاج أربكان خطاً معادياً للغرب ، ولعضوية تركيا في المجموعة الأوربية وحلف شمال الأطلسي (1) .
تأسيس حزب النظام الوطنى MNP) 1970)
شعرت مجموعات تمثل أصحاب أعمال في الأناضول بين أعمال صغيرة ومتوسطة بضرورة الاتحاد في حزب سياسي أخر ضد رجال الأعمال الكبار الموجودين فى استانبول وأزمير ، نتيجة الخلاف القائم في اتحاد الغرف التجارية الصناعية. وقد تأسس حزب النظام الوطني (MNP) نتيجة لهذه المطالب في 26 يناير 1970م وانتشر الحزب في أنحاء كبيرة من الأناضول تحت رئاسة نجم الدين اربكان الرئيس السابق لاتحاد الغرف الصناعية وعضو هيئة التدريس بجامعة استانبول التكنولوجية . وقد ولد الحزب كرد فعل علي سياسة حزب العدالة الحاكم المؤيدة للصناعات والتجارة الكبري في المدن أو البرجوازية الزراعية في الريف(2) .
ويعد حزب النظام الوطني أول تكوين سياسي جاد يشكله الإسلاميون المعارضون بعد نهاية حركة التغريب في الدولة العثمانية وتبدو منطلقات الحزب الإسلامية واضحة في خطبة تأسيس الحزب ومما جاء فيها :
أما اليوم فأن أمتنا العظيمة التي هي امتداد الاولئك الفاتحين الذين قهروا الجيوش الصليبية قبل 1000 سنة، والذين فتحوا (استانبول) قبل 500عام،أوائل الذين قرعوا أبواب (فيينا) قبل 400 سنة وخاضوا حرب الاستقلال قبل 50 سنة هذه الأمة العريقة تحاول اليوم أن تنهض من كبوتها وتجدد عهدها وقوتها وتؤسس حزب النظام الوطني .
أن حزب النظام ، سيعيد لامتنا مجدها التليد ، تلك الأمة التي تملك رصيداً هائلاً من الأخلاق والفضائل في فطرتها وسيبدأ في إحلال الرفاهية والسعادة والسلامة الي كل أرجاء الوطن من خلال القنوات الشرعية وليكن حبنا مصدر سعادة وخير علي امتنا كافة (3) .
وقد أعلن اربكان في الاجتماع الصحفي الذي عقده في 27 يناير1970 أن حزب النظام الوطني يقبل عضوية كل الأشخاص ما عدا الماسونيين والشيوعيين والصهاينة . وفي اجتماعه التأسيسي في أنقرة 8 فبراير 1970م علت هتافات "الله اكبر" آمين ، إن شاء الله .أما في بيانه فقال " إن أمتنا العزيزة التي اختارها الله لإحقاق الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(4) .
أغلق حزب النظام الوطني بقرار من المحكمة الدستورية في 25مايو 1971م وانتهت حياة الحزب السياسية بحجة مخالفته لمبادئ الدستور التركي وأعلنت المحكمة الدستورية أسباب إغلاق الحزب كما يلي :_
الرغبة في إلغاء المادة 63 من دستور الجمهورية التركية التي تحظر القيام بأي نشاط يستند علي أسس دينية كاملة أو جزئية .
المناداة بجعل الدروس الدينية إجبارية في المرحلة الإعدادية .
رؤيته في أن عودة الخلافة ذات فائدة عظيمة وأنها يمكن أن تحقق .
القول بأنه لا يمكن الفصل بين الدين والدولة.
رؤيته للتطورات التغريبية والعلمانية التي تمت في منتصف القرن الماضي في تركيا وكذلك فترة العلمانية التي تبلغ خمسين عاماً ، علي أنها عصر الضلالة.
التعهد بأسلمة كل مجال(5) ..
حزب السلامة الوطني MSP)1972)
بعد فترة قصيرة من إغلاق المحكمة الدستورية لحزب النظام الوطني بدأت المحاولات مرة أخري لتأسيس حزب جديد وقد اتخذ مسئولو حزب السلامة الوطني الذي أسس في 11اكتوبر 1972م التدابير اللازمة حتى لا يتعرض لنهاية مثل نهاية حزب النظام ،ولم يكن بين مؤسسي حزب السلامة أي فرد من مؤسسي حزب النظام الوطني ولم يسمحوا للمنتمين للحزب بالتحدث كما يحلو لهم كما كان الأمر في فترة حزب النظام .
اعتمد حزب السلامة علي قوة ناخبة كبيرة فقد كان الحزب يمثل اتفاقاً بين جماعة (اسكندر باشا) إحدى فروع الطريقة النقشبندية وجماعة النور ويدرك أنه سيحظى بتأييد قوي من أغلب الجماعات الإسلامية .
وقد جذب حزب السلامة الوطني الانتباه داخل تركيا وخارجها بسبب دعوته لأسلمة مؤسسات تركيا الثقافية والسياسية وقد تبلور رأي الحزب علي أن العلمانية والتغريب هما السبب في تخلف تركيا الاقتصادي وفساد الثقافة وكانت إيديولوجيته التي عرفت باسم (الفكر الوطني) في برنامج الحزب تدافع عن الصناعة والاتحاد بين الدول الاسلامية . وكذلك كان معارضاً لدخول تركيا (اتحاد أوروبا الاقتصادية) وانتقد فوائد البنوك (6) .
وأكد منظرو الحزب علي شمولية الإسلام في خطاباتهم العامة في مواجهة زعم العلمانيين بأن لا علاقة للدين بالسياسة ، وأن الخونة والكذابين هم وحدهم الذين يقولون بأن الدين والسياسة شيئان منفصلان لأن المسلمين لا يفصلون شؤون الدنيا عن شئون السياسة، لقد أصبح واضحا بأن التشريع ليس من حق الإنسان، أما اذا وضع القوانين أو ادعى بأنه يفعل ذلك فإن عمله هذا يعد خطيئة....(7) " .
وفى معرض تقويم العلمانية يقول جمال أوغلو أحد منظري حزب السلامة الوطني :" ان الملوك والرؤساء في الغرب متدينون، وهم يزورون البابا، ويزور الرئيس الامريكى الكنيسة بانتظام، إن +شعار " نحن نثق في الله" منقوش على الدولار الامريكى، كما إن الأحزاب السياسية المهمة في الغرب تعتمد على التعاليم المسيحية. ان ممثلي هذه الأحزاب مؤمنون حقيقيون، إذ إن أكثر الناخبين لا يصوتون للكفرة وتبدأ برامج الراديو والتلفزيون في الغرب وتنتهي بالصلاة وتصلي العائلة قبل البدء بتناول طعامها، وتتم مراسم الزواج في الكنيسة ،وتلقي الصلوات في المدارس ويكتب اسم المسيح علي الشهادات وتعد سويسرا الدولة الأكثر تحضراً علي الأرض وذلك لان الناخبين فيها صوتوا بكلمة لا ضد العلمانية(8).
وانتقد أركان الصهيونية والماسونية ودعا الي توثيق العلاقات مع العالم الإسلامي (9) .
واهتم الحزب اهتماماً بالغاً بالتصنيع لاسيما الحربي حتى لا تخضع تركيا للدول الأجنبية. وأكد الحزب علي العمل علي وضع خطة واسعة في جميع أنحاء البلاد من أجل أن تتخذ الدولة إجراءات لازمة عن طريق قيام مناطق إشراف علي الصناعة وإقامة مجمعات صناعية(10).
وسعي الحزب في تكوين النقابات العمالية الموالية له وكذلك الهيئات المختلفة (الكتاب ،التقنيين الاقتصاديين ، المعلمين ، الجمعيات (11) بالإضافة إلي الصحف والمجلات المناصرة للحزب .
وكان حزب السلامة ينعت حزب الشعب الجمهوري وحزب العدالة بموالاتهما للغرب وكان يري أن الغرب مستعمر لتركيا من الناجية الاقتصادية وأنه سبب ترديها و،أن الغرب رمز للصهيونية والماسونية والصليبية المسيحية وعدواً الإسلام (12).
علي الرغم من وجود الخصائص المتشابهة بين حزبى العدالة والسلامة من حيث الرؤية الاقتصادية والثقافية ومن حيث الجاذبية للأصوات الإسلامية ، إلا أن الفرق البين الذي تميز به حزب السلامة هو جهوده في ( الطرح الإيديولوجي الجديد لبرامجه ) والتي اعتمدت فيما اعتمدت علي المجاهرة الصريحة بعلمانية النظام وتبعيته للغرب ، وقد جذبت هذه الجرأة الإنتباه في الأوساط الإسلامية ، فمنذ إعلان الجمهورية لم يجرؤ حزب أو مجموعة من الناس بهذا الإجهار وسبب آخر لنجاح حزب السلامة،أن أفكاره لم تكن مخالفة للقيم الموجودة في عقلية قسم كبير من الشعب.
تجربة حزب السلامة فى الحكم:-
في انتخابات 14/أكتوبر 1973 نال حزب السلامة 11.8% من الأصوات ونتيجة لعدم التوافق بين حزبي الشعب والعدالة، ونتيجة لفشل تشكيل حكومة بسبب الخلاف القائم بين الأحزاب ومضى 105يوماً والبلاد بدون حكومة، بدأت تلوح آراء في بعض الأوساط بأن تشكيل حكومة إئتلافية من حزبي الشعب والسلامة يمكن إن يحل الأزمة (13).
وقد رأت تلك الأوساط أن آراء حزب السلامة الإجتماعية يمينية، أما آراؤه الاقتصادية فكانت ذات فكر يساري، فقد نادى حزب السلامة في برنامجه بأن الشعب مطحون ووقف ضد البرجوازيين الكبار واستخدم هتافات معادية للإمبريالية ولذلك استطاع الحزبان الشعب والسلامة الدخول في اتحاد وكونا ائتلافاً حكومياً (14) .رغم الإعتراضات من نواب كلا الحزبين، اذ يرى بعض نواب الشعب الجمهوري أن تأسيس ائتلاف مع حزب لا يحترم أتاتورك ويطالب بالشريعة يعد خيانة لميراث أتاتورك أما بعض أعضاء السلامة فكانوا يرون حزب الشعب الجمهوري عدواً للدين، ولذلك يرفضون بشدة الاتفاق معه (15).
إلا أنه في النهاية تأسست الحكومة الإئتلافية متخطية تلك العقبات وبذلك أصبح حزب السلامة ذي الهوية الإسلامية لأول مرة في تاريخ الجمهورية شريكاً في حكومة.
وفى أول اختلاف بين الشريكين المؤتلفين، نسي حزب السلامة ما وقعه في بروتوكول الائتلاف الذي يقضى في بعضه بالعفو العام الذي يشمل جرائم الفكر والاعتقاد، وصوت نواب حزب السلامة ضد المادة التي تقضى بأن يشمل العفو أصحاب الأفكار اليسارية وشكل هذا الموقف خلافاً كبيراً ضد حزب السلامة في مسألة حرية الفكر والاعتقاد والسلامة الداخلي (16).
وقد أولى حزب السلامة أهمية كبرى للإعمال المتعلقة بالمجال الديني، تحت اسم تحقيق النهضة المعنوية وفى الفترة التي كان فيهاً شريكاً في الائتلاف استطاع الحصول على ترخيص لأكثر من ألف جامع في القرى وفتح القسم الإعدادي من مدارس الأئمة والخطباء مرة أخرى ، ومنح العديد من الأئمة والخطباء الثانويين الحق في دخول الكليات التي يرغبون فيها كأنهم خريجي مدارس ثانوية عادية ، ووضع مقررات دروس الأخلاق في كل المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية (17).
وقد أوجدت سياسة حزب السلامة في تحقيق النهضة المعنوية قلقاً داخل حزب الشعب، وكلما مضى الوقت كانت هوة الخلافات بين كلا الحزبين تتسع. واستمر الائتلاف بين كلا الحزبين قرابة الثمانية شهور. واستمر الخلاف بينهما إثناء مشكلة قبرص ... فعندما قامت تركيا بإرسال جنودها الي الجزيرة في 20يوليو 1974م ، أراد اربكان ان تستمر الحركة حتى الوصول الي المستوى الذي يحقق تقسيم الجزيرة، أما أجاويد فأراد أن يبقى قسم من الجزيرة تحت الإشراف وأن يتحقق للأتراك الموجودين بها الحرية اللازمة وأن يكون القسم الجنوبي من الجزيرة آمناً بالنسبة للأتراك (18).
وبفضل جهود أربكان عن طريق الحكومة الائتلافية مثلت تركيا لأول مرة في آذار 1974م في مؤتمر القمة الاسلامى. ونجح حزب السلامة في الاستفادة من الدول النفطية كأسواق للمنتجات الصناعية والزراعية التركية، وكمستثمرين للدولارات النفطية في الاقتصاد التركي(19).
اما فيما يتعلق بموقف حزب السلامة من الولايات المتحدة فقد عارض الحزب الوجود الامريكى في الاراضى التركية، كما عارض استخدام الولايات المتحدة الأراضى التركية في استخدامها ضد دول منطقة الشرق الأوسط ، ونتيجة لهذا فقد انتقد الحزب حكومة ديميريل في أوآخر عام 1979بسبب زياد النشاط العسكري الامريكى في تركيا حيث قدم استجواباً الي مجلس النواب التركي مطالباً فيه محاسبة حكومة ديميريل بسبب هذا النشاط الامريكى (20).
ازدادت الخلافات بين حزب السلامة والشعب واستحال الاستمرار في الائتلاف بينهما، فدعي أجاويد الي انتخابات مبكرة، آملاً في أن يصبح الحاكم الأوحد بعدها وأسست الأحزاب اليمينية ائتلافاً أسمته( الجبهة القومية) برئاسة ديميريل مشكلاً من حزب العدالة وحزب السلامة وحزب الحركة القومية وحزب الثقة الجمهوري في 31مارس 1975م .
أنشطة السلامة في حكوماته الائتلافية:-
زاد عدد المدارس الدينية ومدارس تحفيظ القرآن ، ونجح في جعل مادة الأخلاق مادة إجبارية في المدارس، وتقدمت تركيا بطلب ان تصبح عضواً رسمياً في المؤتمر الإسلامي ، وسعى حزب السلامة لجعل العلاقات مع الدول الإسلامية في أعلي مستوى لها، وقبلت تركيا شهادات العلوم الدينية التي حصل عليها الطلاب الأتراك من بلاد العالم الاسلامى وترجمت الي التركية أعمال كل الأسماء البارزة المعروفة في الحركة الإسلامية داخل الدول العربية والإسلامية ، وقامت على نشر هذه الترجمات مجموعة من دور النشر بتركيا(21).
وعقدت عدة مؤتمرات بهدف تعطيل المادة 163وماشابهها التي تحد من حرية الفكر والاعتقاد والغيت العوائق التجارية أمام الذاهبين الي الحج ومنحت لرئاسة الشئون الدينية سلطات واسعة ورفع عدد كادرها الي عشرة أضعاف تقريباً، وتم تعيين الآلاف من الموظفين الدينيين في رئاسة الشئون الدينية، وتم بدء مشروع مسجد بكل قرية.
سلوك حزب السلامة في المعارضة :-
وطرأت على حزب السلامة بعض السلوكيات الراديكالية بعض خروجه من الحكم في الانتخابات 1977م وحصوله على أصوات قليلة وانتقاله الي صفوف المعارضة. ففي مؤتمره الرابع في 15اكتوبر 1978م في الصالة الرياضية بإستاد اتاتورك سحلت عينا اتاتورك في صورته الكبيرة وكتبت هتافات على حوائط القاعة( سنؤسس الدولة الإسلامية) ( الإسلام هو الشريعة)،( إما الإسلام أو الموت)،( ستقام الشريعة في تركيا) (22).
وانتقد اربكان الأحزاب الأخرى انتقادات حادة، واستخدم الحزب هتافات مثل( جاء الحق وزهق الباطل) وانتقد النظام الحاكم في تركيا بأنه مخالف لتعاليم الإسلام (23)."وطالب اربكان في الحديث الذي أدلى به في أغسطس 1980طالب بوجوب "
وجود أمم متحدة إسلامية.
تأسيس سوق إسلامية مشتركة.
جعل الدينار الاسلامى العملة المالية الموحدة.
تأسيس قوة عسكرية تدافع عن العالم الاسلامى
تأسيس هيئات ثقافية تحقق اتحاداً فكرياً طبقاً لمبادئ الإسلام(24).
" وقد أدت الجسارة التي تحدث بها مسؤلو حزب السلامة في كل اجتماعاتهم الي استخدام هتافات قوية مثل( حتماً سنهدم الدولة اللادينية) و ( ستأتي الشريعة وتنتهي الوحشية) و ( لا شرقية ولا غربية، إسلامية) . خاصة وان نجاح الثورة الإيرانية وجهود تطبيق الشريعة في باكستان قد أصبحت مصدراً معنوياً للجماعات الإسلامية في تركيا (25).وعبر اربكان بصورة علنية 1980عن إعجابه بتجربة باكستان كما قامت صحيفة الوطن بتحليل ما كان يحدث في إيران وباكستان مؤكدة استخلاص النتائج للاستفادة منها في تركيا (26).
اتخذ الحزب موقفاً متشدداً من القضية الفبرصية وطالب بضمها الي تركيا وانتقد حزب الشعب الجمهوري وحزب العدالة لكونهما متجاوبين مع المطالب اليونانية (27).
إما فيما يتعلق بالسوق الأوربية المشتركة فقد ازداد اهتمام حزب السلامة بها ووصف اربكان السوق المشتركة بأنها مؤامرة صهيونية تهدف الي إذابة الشخصية الاسلامية للدولة التركية في إطار أوربا المسيحية (28).ان تركيا يجب ان لا تكون في السوق الأوربية المشتركة للدول الغربية ، وإنما في السوق المشتركة للدول الشرقية ، ان تركيا متخلفة بالنسبة للغربيين ولكنها متقدمة بالنسبة للشرقيين وإذا دخلت تركيا السوق المشتركة فئ الأوضاع السائدة اليوم فإنها ستصبح مستعمرة(29) .
أسباب تدنى أصوات حزب السلامة فى انتخابات 1977م :-
دار جدال طويل داخل الحزب عن مشروعيه تحالفات الحزب وعن وظيفة الحزب وقد ذكر مسئولوا الحزب ان الحزب أداة ووسيلة وايدت الصحف الإسلامية هذه الفكرة قائلة حزب السلامة ليس حزباً إسلاميا أو مطالباً بالشريعة ولكنه حزب الإسلاميين أو المسلمين... ولا يمكن تخيل حزب السلامة بديلاً عن الحركة الإسلامية ... وعلينا ان لا ننسى ذلك أبدا فحزب السلامة وسيلة في الدعوة الإسلامية ويمكن ان يقضى عليه ذات يوم من قبل القوى الداخلية أو الخارجية للنظام الحالي. اما الحركة الإسلامية فلا يمكن ان يقضى عليها من بعد (30).
خاض حزب السلامة انتخابات 5يونيو 1977م مع وجود خلاف داخله بين النقشبنديين والنورسيين وقد اتهم النورسيون الحزب بإخلاله بقواعد السياسة الإسلامية وان السياسة في الأساس دنس يفسد المسلمين وتقدم 13عضواً من الحزب بمذكرة الي اربكان يوضحون فيها آراءهم تلك، ثم انفصل 12عضواً منهم من الحزب (31).
ويرجع نشوء هذه الانشقاقات الداخلية فى صفوف الحزب الي المرحلة السياسية التي قامت فيها حكومة ائتلافية بين حزب السلامة الوطني وحزب الشعب الجمهوري فقد كان الجناح النورسى داخل الحزب يعارض هذا الائتلاف، بينما الجناح النقشبندى والذي يرأسه اربكان بؤيد هذا الائتلاف وعلى أساس هذا الخلاف شكل الجناح النورسى التنظيم المعارض داخل الحزب، ونتيجة لذلك انسحب عشرون شخصاً من الحزب وقد دارت مناورات أربكان السياسية حول فشل محاولة هذه المجموعة من الانضمام إلي حزب العدالة، وعلي رأسهم أحمد توفيق باكصوه وحسام الدين أكمومجو " (32)
وقد كان " طلاب النور " في خلاف مع أربكان منذ وصل حزبه إلي الحكومة قبل انقلاب 1980م ففي رأيهم أنه تسبب في الانقلاب العسكري بسبب مشروعاته الخيالية، وبسبب أسلوبه في عرض أفكاره، الذي جعله يخرج آنذاك في مظاهرة جماعية مما أثار الجيش ضد الإسلاميين... هذه الرؤي الخيالية أعطت مبرراً لحماة العلمانية ليضربوهم في الصميم، فقرروا ترك العمل الحزبي وتبني سياسة الأسلمة البطيئة " (33) .
ومن أسباب تدني أصوات حزب السلامة بالإضافة إلي خلافاته الداخلية انتهاج حزب العدالة لسياسة تذويب أو " تفكيك " حزب السلامة في حملاته الانتخابية " (34).
انقلاب 1980 وحظر حزب السلامة :
عقد حزب السلامة مؤتمراً يوم 6 سبتمبر 1980 تحت عنوان ( تحرير القدس ولقاء الشباب ) وتضمن المؤتمر مظاهرة ضخمة امتلأت بالهتافات القوية التي ألقاها شباب المؤتمر. وتركزت حول العداء للجمهورية العلمانية. وبعد هذا اللقاء بنحو أسبوع سيطر الجيش علي النظام وأغلق حزب السلامة مع بقية الأحزاب الأخرى (35). ومن التهم التي وجهت أربكان وزملائه بواسطة المحكمة العرفية العسكرية بتاريخ 24/4/1981:-
1.العمل علي استبدال مبادئ الدولة القانونية والاجتماعية والاقتصادية بمبادئ تقوم علي أساس الإسلام.
2.اجتماعات الحزب وهتافاته تكشف أهدافه،فمن ضمن هتافاته : " محمد قائدنا " سنحطم الأصنام ونقيم الإسلام " ومن لافتاته " من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " وقل جاء الحق وزهق الباطل ".
3.قيام عدد من المنظمات الشبابية والطلابية والعمالية والمهنية المرخصة والمرتبطة سراً بالحزب والتي تعمل علي تطبيق الشريعة الإسلامية.
4.ترديدهم لذكر الله في اجتماعاتهم، وتذكيرهم الأمة بأنها حاربت خلال تاريخها من أجل الإسلام لا من أجل أشخاص أو أبطال.
5.ألقى أربكان كلمة في الحجاج الأتراك في مكة عام 1977، جاء فيها : " يجب أن نبحث فيما إذا كنا نطبق القرآن أم لا ؟ وهل يحكم حكامنا بالقرآن أم لا ؟ (36) .
وجهت المحكمة أربعة عشر اتهاما رئيسياً لأربكان وحزبه، وقررت حظر حزب السلامة والسجن لأربكان وإخوانه لمدة تتراوح بين 14 – 36 سنة (37) .
انقلاب 12 سبتمبر 1980 م:
كان لانقلاب سبتمبر 1980 أسبابه فى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إثر فشل الحكومات منذ بداية 1977 وتزايد العنف وحوادث القتل والاختطاف وتزايد الهجمات المسلحة علي أعضاء الأحزاب السياسية، كما لا يمكن إغفال ما لنجاح الثورة الإسلامية في إيران 1979 من أثر علي تنامي الحركة الإسلامية عموماً ومن ذلك تلك المظاهرة الضخمة في مدينة " قونيه " التي اشترك فيها آلاف الشباب في جو من الهتافات والشعارات الإسلامية " ( 38) .
وقد رأت الحكومة التي شكلها الجيش بعد عام من الانقلاب، وجوب البدء في العودة إلي الحياة الديمقراطية النيابية، واقترحت إعداد دستور جديد " وتضمن الدستور مادة شرطية نصت علي فرض الحظر علي جميع من كان في سدة الحكم بتاريخ 12 سبتمبر 1980 من المشاركة في النشاطات السياسية لمدة عشر سنوات. والذين كانوا أعضاء في المجلس الوطني التركي الكبير لمدة خمس سنوات وأشار الدستور إلي التعليم، حيث أصبح التعليم وتدريس الدين والأخلاق تحت سيطرة الدولة (39) .
" وقد برزت فلسفة جديدة للنظام الجديد في التعاطي مع ظاهرة التصاعد الإسلامي، وطرح طرحاً قومياً إسلامياً يراعي المشاعر الإسلامية التي أستفزت سابقاً في التجربة " الأتاتوركية " لمعاداتها للدين.
وقاد النظام بنفسه حملة " الأسلمة " في العديد من مستويات الحياة والمؤسسات، ومفهوماً أكثر انفتاحاً وقرباً من الإسلاميين " وقد تجسد هذا في جملة خطوات عملية عبر عنها دستور 1982 (40) .
" حمل دستور 1982 تغييرات جذرية في نظرة العلمانية للدين، لكن علي الرغم من تأكيده علي العلمانية ومبادئ أتاتُّورك في المادة ( 42 ) تشير المادة ( 24 ) منه علي أن " يأخذ تعليم الثقافة الدينية والأخلاقية مكانة بين الدروس الإجبارية التي تدرس في مؤسسات التعليم الابتدائي والمتوسط، وإدراج عبارات قديمة لأتاتورك حول أهمية الدين. وكان كنعان أيفرين يستشهد بآيات قرآنية عند الحديث عن أهمية العلمانية " (41) .
الهوامش:
1-الحركات الإسلامية في آسيا ، دراسة عن الحركة الإسلامية في تركيا ، لمحمد نور الدين ص150، من إصدارات مركز الدراسات الآسيوية ، جامعة القاهرة1998م.
2-Hikmet Özdemir, Siyasal Tarih(1960-1980)Çağdaş Türkiye Tarihi(1908-1980),Cem Yayınevı,istanbul,1989-s.225
3-الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا ، مصطفى محمد . الطبعة الأولى 1984.ألمانيا الغربية ص 175.
4-Ruşen Çakır:Ayet Ve Slogan. Türkiye'de islami Oluşumlar,Metis Yayınları, 8. Basım .İstanbul.1994.S.25
5-Doğan Duman ,Türkiyede İslamcilik .Dokuz Eylül Yayınları .İzmir ,1997-S-79
6- Hüseyin Akyol ,Refah Partisinin Tarihsel Gelişimi, Pelikan Yayınevı ,İstanbul , 1996-S-46
7-الحركات الإسلامية الحديثة فى تركيا، حاضرها ومستقبلها، د احمد نورى النعيمى عمان ، دار البشير ، الطبعة الأولى 1993م ص 132.
8-نفس المرجع ص132.
9-نفس المرجع ص 141.
10-نفس المرجع ص 140
11-مرجع سابق Refah Partisinin Tarihsel Gelişimi .S.48.
12-مرجع سابق Türkiyede İslamcilik. s.81.82
13-نفس المرجع ص 85،84
14-نفس المرجع ص85.
15-المرجع السابق ص 86
16-ALI yaşar Sarıbay, Türkiyede Modernleşme Dın ve Parti Politikasi Alan Yayıncılık, İstanbul ,1985,S:189
17-مرجع سابق Türkiyede İslamcilik.s:89
18-Metin Hasırcı ,Bitmeyen Mücadele Erbakan ,Değişim Yayınları. İstanbul-1996-S-49-52
19-تركيا بين الصفوة البيروقراطية والحكم العسكرى، نوبارهومنسبيان وفيروز احمد ، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت ص147
20-الحركات الإسلامية في تركيا، النعيمى، مرجع سابق ص138
21-مرجع سابق Türkiyede İslamcilik.S:96 .
22-Soner Yalçın , Hangi Erbakan , Başak Yayınları . Ankara ,1994-S:137
23-نفس المرجع ص138
24-Milli Gazte. 27Agustos.1980
25-مرجع سابق ص 142Hangi Erbakan .S:142 .
26-الحركات الإسلامية في تركيا.النعيمى مرجع سابق ص134
27-نفس المرجع ص136
28-نفس المرجع ص134
29-تركيا بين الصفوة البيروقراطية والحكم العسكري ص 147مرجع سابق
30-مرجع سابق .S:92 Türkiyede İslamcilik
31-Feroz Ahmed.Demokrasi Süreçinde Türkiye(1945-1980)Hil yayınları İstanbul.1994.s:243
32-تركيا وحلف شمال الاطلسى ، د احمد نورى النعيمى ، عمان الادرن، 1981ص 238.
33-الحركات الإسلامية في تركيا ، النعيمى ،مرجع سابق ص 115
34-مرجع سابق Siyasal Tarıh.S.243
35-Amerikan Gizli Belgelerınde ,Türkiyede İslamic Akımlar.Bayan.yay. S.54.
36-الحركة الاسلامية الحديثة فى تركيا ، مرجع سابق انظر صفحات 246،245،244
37-المرجع نفسه ص 246
38-مرجع سابق Türkiyede İslamcilik.S.101
39-الحركات السلامية في تركيا ،مرجع سابق ص 170.
40-الحركات الإسلامية في آسيا مرجع سابق ص 151.
41-المرجع نفسه ص152.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.