من المتوقع أن تسفر نتيجة استفتاء جنوب السودان عن قيام دولة منفصلة عن الدولة الأم في الجنوب حسب توقعات الخبراء والمراقبين وقرائن الأحوال المرجحة للانفصال؛ ولكن ماهي طبيعة العلاقة بين الدولتين مستقبلا؟ وكيف تُدار الملفات السياسية والعسكرية والأمنية بين الطرفين؟ وماذا يخبئ الملف الاقتصادي من أجندة وتوقعات؟ هذه الأسئلة وأمثالها شغلت كثير من المهتمين والخبراء والمراقبين.. وفي هذا الإطار نظّم مركز الراصد للدراسات السياسية والاستراتيجية بالتعاون مع الجمعية السودانية للعلوم السياسية ندوة بالخرطوم يوم الاثنين 24 يناير 2011م بعنوان (مستقبل العلاقة بين دولتي الشمال والجنوب) وحشد لها ثلة من أساتذة العلوم السياسية والاستراتيجية والخبراء العسكريين والاقتصاديين للتداول حول هذه الملفات حال انفصال الجنوب وقيام دولة أخرى من رحم الدولة الأم. البروفيسور محمود حسن أحمد أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية نادى بضرورة قيام العلاقة بين الدولتين على قواعد القانون الدولي واحترام حسن الجوار، ودعا دولة الجنوب إلى تصدير بترولها عبر الموانئ السودانية لتوفر الأمن مقارنة بالتصدير عن طريق الموانئ الكينية مثلا إذ ستتعرض الشحنات البترولية للقرصنة في البحر الأحمر، وأشار إلى أن الحدود بين الشمال والجنوب تتجاوز الألفي كيلومتر وتُعد الأطول في القارة الإفريقية مما يستدعي عقد مذكرات تفاهم بين الطرفين تنظم العلاقات بين الولايات الحدودية ووصف الحدود بالصناعية لعدم وجود حائل طبيعي، واستدعى فكرة المناطق المحايدة الموجودة بين عدد من الدول كالسعودية والكويت، أو سلطنة عمان والإمارات لنقل الفكرة بقيام مناطق محايدة بين الشمال والجنوب، ورجا أن تقوم العلاقة بين الدولتين على السلام والتعايش بدلا من الحرب التي لا تخدم مصلحة أي من الطرفين، ثم ختم البروفيسور محمود مداخلته بعدد من التوصيات منها الاعتراف المبكر بدولة الجنوب، والعمل الجاد للاستقرار والتنمية، والتنسيق السياسي، واستغلال الروابط المشتركة، وحل القضايا العالقة بالطرق الودية،وتلافي الدخول في محاور ضد الطرف الآخر. البروفيسور أبو القاسم النور أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم دعا إلى التعامل مع الانفصال كأمر واقع دون تذمر، منبها إلى أن توزيع وتقسيم الثروة قد لا يكون عادلا بين الطرفين لأن الانفصال قام على أساس سياسي لا اقتصادي، مذكرا بأن الحرب عطّلت التنمية في شمال السودان، ودمّرت البنية التحتية في جنوب السودان، مثيرا بعض القضايا الاقتصادية التي يجب أن تُحل بين الدولتين كمسائل تبادل السلع، والعمالة، والتهريب، ومنع غسيل الأموال، والاحتياط لمنع دخول السلع الإسرائيلية إلى شمال السودان حال دخولها إلى الجنوب، وحل مسألة المناطق الرعوية على الحدود، وأشار إلى الانفصال يحتّم الاتفاق على بعض النقاط مثل النقاط الجمركية،والاتفاقيات الثنائية بين الولايات المتاخمة، والاتفاق على وحدة نقدية لإجراء المعاملات، وتجارة الترانزيت (العبور)، مناديا بقيام مشاريع اقتصادية تخدم العلاقات بين الدولتين مثل السكة الحديد، والنقل النهري، والطرق البرية، وإمدادات الكهرباء، مختتما مداخلته بضرورة الاتفاق على بعض القضايا الاقتصادية العالقة مثل الديون الخارجية وأسس اقتسامها، وملكية الأصول المشتركة، والتسوية مع الشركات التي تنتج مواد خام من الجنوب، وحقوق العاملين بمؤسسات التعليم العالي. اللواء(م) الدكتور محمد العباس الأمين أستاذ الاستراتيجية بجامعة الزعيم الأزهري أكد أن القوات المسلحة هي الأداة العسكرية للقيادة السياسية ويجب ألا تتجاوز حدودها، مشيرا إلى أن الانقلابات العسكرية نجحت في الاستيلاء على السلطة لكنها فشلت في السياسة الداخلية، مذكرا بأن الحرب هي سياسة في النهاية. محذرا بأن الجيش الشعبي في جنوب السودان الذي نشاهده اليوم هو مجموعة من المليشيات فقط، أما النخب فهي موجودة في مكان ما، منبها إلى التصريح الذي أدلى به رئيس هيئة أركان الجيش الشعبي بأنه يستطيع أن يحتل نصف الشمال إذا قامت حرب بين الشمال والجنوب منوها إلى أن خطورة هذا التصريح تكمن في أن نصف الشمال المتبقي هو ساحة الحرب الحقيقية داعيا إلى أخذ هذا الأمر مأخذ الجد، داعيا إلى الاهتمام بتسليح وتحديث الجيش السوداني معلنا بأن الجيش السوداني لم ينهزم خلال الخمسين عاما الماضية، وما تم في بعض المعارك كان اختراقا وليس انهزاما في مواجهة، داعيا إلى الانتباه للنخب الجنوبية المدربة في الولاياتالمتحدة والتي تُقدّر بأربعة آلاف عنصر، معلنا أن السودان إذا أحسن إدارة علاقاته بدول الجوار فلن يحتاج إلى البترول، كاشفا في ختام مداخلته أن القوات المسلحة لم تحكم السودان منذ الاستقلال وحتى الآن وإنما حكمته نخب سياسية.