أفتى الدكتور علي جمعة مفتي مصر بأن تولي رئاسة الدولة لم يعد كالخلافة التي هي من التراث الإسلامي، حيث كان الخليفة يقوم بقيادة شئون الدولة، وإمامة المصلين في الصلاة، أما دول العالم في القرن الحادي والعشرين فلها كيانات قومية مستقلة، ومن ثم فرئيس الدولة في المجتمع المسلم المعاصر -سواء أكان رئيسا أم رئيس وزراء أم ملكا- غير مكلف بإمامة المسلمين في الصلاة، وعليه فيحق للمرأة أن تتولى هذا المنصب في ظل المجتمعات الإسلامية المعاصرة. ولقد أثارت هذه الفتوى عددا من الأسئلة كان من أهمها: هل الخلافة كرئاسة الدولة؟ وماذا عن الإمامة العظمى وموقف رئيس الدولة منها؟ وهل إدارة الحكم في العصر الحالي تسمح بالتساوي بين الرجل والمرأة؟ الخلافة كالرئاسة أكد الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية، مشددا على عدم وجود فارق بين الخلافة ورئاسة الدولة، وإنما وجد لقب الخلافة لمعنى لاحظه المسلمون عندما ولوا أبا بكر رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث لم يجدوا اسما أولى من كلمة خليفة، لما في هذا اللقب من إيحاءات تشعر بأن الذي جاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خلفه في رئاسة الدين وسياسة الدنيا. ويضيف: "لما انتهى عصر أبي بكر رضي الله عنه ظل هذا اللقب ينادى به عمر بن الخطاب فترة، ولكنهم كانوا يقولون: خليفة خليفة رسول الله، وظلوا يستعملونه حتى ظهر لقب آخر وهو لقب أمير المؤمنين، وقد حدث ذلك عندما طلب عمر بن الخطاب من واليه في العراق أن يرسل إليه اثنين من أهل العراق ليستفسر منهما عن أحوال الناس هناك، فلما جاء هذان الرجلان إلى عاصمة الدولة -وهي المدينةالمنورة وقتها- كان من الطبيعي أنهما لا يعرفان مقر رئيس الدولة، وهو ما يسمى حينئذ خليفة خليفة رسول الله، فكان من الطبيعي أن يذهبا إلى المسجد، وقابلهما عمرو بن العاص فسألاه أين أمير المؤمنين؟ فقال عمرو بن العاص: نحن المؤمنون، وهو أميرنا". ويوضح د.عثمان أن تسمية الخليفة أو أمير المؤمنين فقط هي التي أطلقت على رئيس الدولة في العصر الأول، وهو عصر الخلفاء الراشدين، وإنما أطلق لفظ الإمام على رئيس الدولة، وكان الشيعة أول من أطلق هذا اللقب على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهم الذين يعتقدون أن عليا هو أولى الناس برئاسة الدولة من أبي بكر وعمر وعثمان، فأطلقوا كلمة الإمام على علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ ليشيروا إلى أن عليا هو أولى بالخلافة؛ لأن الخليفة الشأن فيه أن يقوم بإمامة المصلين. ومن ثم يؤكد د.عثمان ما ذهب إليه قائلا: "وبهذا يتبين أنه لا يوجد لقب خاص لرئيس الدولة في الإسلام، المهم أن تكون الدولة مطبقة لشريعة الله.. أما تسمية رئيس الدولة بالخليفة أو أمير المؤمنين أو رئيس الجمهورية فليس شرطا في اللقب على من يقوم بهذا الأمر". ويلمح إلى نقطة هامة وهي أنه ليس معنى أن الدولة الإسلامية كانت شاسعة وموحدة -في عهد الخلافة الراشدة، وما تلاها من خلافات- أن تكون كلمة خليفة خاصة بهذه الدولة المتسعة التي تضم شعوبا مختلفة تحت لوائها؛ لأن كلمة خليفة يمكن أن تطلق هي وغيرها على من يتقلد زمام الحكم في الدولة، ولهذا كان الملك فؤاد ملك مصر الأسبق يطمع في أن يطلق عليه لفظ خليفة أملا في أن يضم إلى مصر بعض البلاد الأخرى. وحول الكلام عن الملكة بلقيس ملكة سبأ، واعتبار ذلك نموذجا تاريخيا يقاس عليه جواز تولي المرأة للحكم، يوضح د.عثمان أن هذا الأمر بعيد عن الموضوع؛ لأن بلقيس كانت ملكة تحكم شعبا من عبدة الشمس، فلا وجه للقياس، ولا يقال هنا شرع من قبلنا.. لأن هذا ليس شرعا، وإنما تدنٍّ في العقيدة، وبُعد عن الألوهية وشرائع الله السماوية. فتوى نظرية يرى الدكتور إبراهيم درويش أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة القاهرة، أنها فتوى نظرية، حيث يؤكد أن المفتي حين أصدر هذه الفتوى فإنه تكلم عن قاعدة عامة، من حيث عدم وجود مانع فقهي.. وهي ناحية نظرية بحتة، ومع ذلك فإن الفتاوى التي تصدر في مثل هذه الأمور لا يمكن أن نجردها من الجانب السياسي. ويوضح أنه من الناحية السياسية يصعب أن تتولى أي امرأة رئاسة الدولة أو حتى رئاسة الوزارة.. وفقا لما جرى على أرض الواقع في باكستان، وبعض الدول الإسلامية، حيث أثبتت المرأة فشلا ذريعا. ويشدد الدكتور درويش على أن المرأة لا يمكن أن تتولى الملكية أو رئاسة الجمهورية خاصة في عالمنا الإسلامي؛ لأن النظام السياسي وليد البيئة، وتتحكم فيه عناصر اجتماعية وسياسية ودينية، وفي ظروفنا الحالية هناك مانع اجتماعي وسياسي وبيئي من تقبل المجتمع للمرأة كرئيس للدولة، وحتى في الدول الغربية لا يوجد تقبل للمرأة على رأس السلطة. ويرفض الدكتور درويش القول بأن الرجل والمرأة أصبحا سواء في تولي الحكم، خاصة أن هناك دستورا يحكم سياسة الدولة، أو مؤسسات هي التي تصدر القرارات ويوقعها فقط رئيس الدولة، ويوضح أن المركزية موجودة في كثير من الدول في شخص واحد، لدرجة أن السلطة التشريعية لا تستطيع أن تتقدم بقانون إلا إذا كان موحى به من قبل رئيس الدولة، فرئيس الدولة في كثير من الأحوال يكون أقوى من الدستور، وهو المتصرف الوحيد. العرف الدستوري الدكتور محمد كمال إمام أستاذ القانون العام بكلية حقوق جامعة الإسكندرية يرى أن الذين يعتبرون رئاسة الدولة غير الخلافة على اعتبار أنه في ظل الأنظمة البرلمانية يصبح رئيس الوزراء هو الرئيس الحقيقي للدولة، ورئيس الدولة يعد وظيفة شرفية، ويرون أن تولي المرأة رئاسة الدولة قد يحمل على هذه الصورة. يؤكد د.كمال أن هذه الصورة لا يمكن تطبيقها في الدول الإسلامية على اعتبار أن النظام الإسلامي لا يعترف بمثل هذا الأمر في إعطاء مسئوليات رئيس الدولة لرئيس الوزارة، وإلا نكون قد أقررنا نظاما مغايرا للواقع الإسلامي. ويشير الدكتور كمال إمام إلى أنه بالرغم من عدم وجود نصوص داخل الدساتير الحالية في مصر ومعظم الدول العربية والإسلامية تنص على أن المرأة لا تتولى رئاسة الدولة فإن هناك ما يسمى بالعرف الدستوري، وهذا العرف جرى في البلاد العربية والإسلامية بألا تتولى المرأة رئاسة الدولة، وجرى ذلك على مر عقود وأجيال، والعرف الدستوري ملزم قانونا. ويضيف: "إن التصور بأن رئيس الدولة تصبح مسئولياته موزعة على مؤسسات مختلفة هو خلاف الواقع، مؤكدا أنه لا توجد فائدة بأن نضع مبررات للقول بأمر خلاف الواقع، وخلاف اتفاق العلماء". مؤيدون للمفتي الدكتور محمد علي الزغول -عميد كلية الشريعة والقانون جامعة مؤتة بالأردن- يتفق مع المفتي، ويؤكد أنه لا يمكن قياس الدولة على الخلافة حتى يقال بأنه لا يجوز أن تتولى المرأة رئاسة الدولة، ويقول: "إن الفرق شاسع بين دولة الخلافة وبين الدولة في مفهومها المعاصر، فالمفهوم مختلف باختلاف الوقت والظروف". ويضيف الزغول: "إن محاولة إسقاط الأحوال الآنية على ما كان في إصدار الأحكام خطأ كبير، كما أنه لا بد من عدم النظر إلى القضايا الشرعية من زاوية واحدة، فحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) لم يؤخذ في كثير من الأحوال في سياقه الذي قيل فيه من حيث الوقت والظروف". ويشير إلى أن التاريخ يثبت أن شجرة الدر قد تولت الحكم، وهذا مؤشر يدل على إمكانية تولي المرأة الرئاسة، كما أن بلقيس ذكرها القرآن ولم ينكر عليها أنها امرأة وتحكم، ومع هذا فهناك محاولة للاختفاء وراء نص عابر. ويؤكد الدكتور الزغول أنه بالنظر إلى الفقه الإسلامي القديم فإن تولي المرأة القضاء قضية خلافية، فالكثير لم يقبل بتولي المرأة هذه المناصب، ولكن بحكم الظروف الاجتماعية وجدنا هناك من يقول بجواز تولي المرأة القضاء، كما أن رئاسة الدولة ليست كخلافة المسلمين، ولكل منهما ظروفه، ومن ثم ينبغي أن تدور الفتوى مع الزمان والظروف. الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه بجامعة الأزهر تؤكد أيضا أن تولي المرأة للرئاسة جائز، وتستند في جواز ذلك إلى أن الأقطار الإسلامية الآن تقوم على نظام المؤسسات، كما أن الدستور هو الذي ينظم البلد في الداخل والخارج، ورئيس الدولة محكوم بهذا الدستور الذي يوضح شروط الترشيح لرئاسة الدولة. وتضيف: ليس للذكورة أو الأنوثة مدخل في الصحة أو عدمها، وإنما الأساس في الكفاءة واختيار الشعب، مؤكدة أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) الذي يستدل به المعترضون انعقد الإجماع فيه على أنه خاص بالإمامة العظمى، والإمامة العظمة ليست لها علاقة برئاسة الدولة الآن؛ لأن كل دولة لها شيخ إسلام أو مفتٍ هو الذي يقوم بإمامة المسلمين. وعن كون المرأة إذا ما تولت الحكم لن تكون أيضا مالكة أمرها؛ لأنها تحت حكم زوجها، تعتبر الدكتورة سعاد أن ذلك مردود عليه بأن المرأة التي ترشح نفسها للرئاسة تكون قد قامت بتنسيق أمورها مع زوجها وأسرتها، موضحة أنها لا تقول بوجوب تولي المرأة الرئاسة، لكنها توضح الصحة من عدمها، فهو في الأساس توضيح للحكم الشرعي. وتستطرد الدكتورة سعاد قائلة: "إن القول بالتحريم لا يكون في مسألة تولي المرأة رئاسة الدولة؛ لأن الأصل في التحريم أن يكون مبنيا على أدلة قطعية، ولا توجد أدلة مباشرة يستند إليها المانعون، فكل الأدلة التي يستندون إليها تخضع للعادات والتقاليد والتفسيرات البشرية". وتضيف: "أما القول بأن المرأة يعرض لها الحيض والنفاس، فتكون في وقت لا تستطيع فيه مباشرة أمور المسلمين، فأنا أسأل: ماذا لو بلغت المرأة سن اليأس، ولم تعد ترتبط بهذه العوارض؟ وعليه فلا بد أن يكون الحكم بالحرمة متصلا بأدلة قطعية". الفقه السياسي طالبت الدكتورة هبة رءوف المدرسة المساعدة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بضرورة ربط مصطلح الفقه السياسي بالفقه الشرعي، مؤكدة على أن المعارضين لفتوى المفتي لا يعلمون شيئا عن هذا الواقع السياسي، خاصة أن السياسة لا ترد لفرد واحد، كما أن الشورى أصبحت ملزمة. ومن هنا تؤكد د.هبة أن المفتي غير مخطئ في فتواه القائلة بجواز تولي المرأة رئاسة الدولة، حيث إن الواقع مختلف، فلم يعد هناك أحد يمتلك القدرة على إدارة الدولة بمفرده، ومن ثم حتى لو كانت هناك خلافة فإن الإدارة أصبحت مختلفة، ولذلك فالأمر عند القول بتولي رئاسة الدولة، وإمكانية قيام المرأة بذلك بحاجة إلى توصيف واقع وليس تنزيل أحكام. وتؤكد أن القول بقضية الإمامة والبيعة عند الحديث عن رئاسة الدولة مسألة تحتاج إلى تفتيت على مشهد أن الواقع مختلف، ومن ثم فإن الخلاف في قضية رئاسة الدولة يجب أن يكون في مدى إدراك الواقع السياسي، والآليات التي نفعّل بها المجتمع المدني. وتضيف: المشهد السياسي حاليا أصبح مختلفا عما كان في عهد الخلافة الإسلامية، فالشروط الموضوعة المقيدة للمرأة وتوليها منصب رئاسة الدولة لم تعد موجودة، وأصبح هناك تعقيدات سياسية. وألمحت د.هبة كذلك إلى أن فكرة الرابطة الاجتماعية تحولت وتغيرت تماما، وعليه فلا بد من النظر للمعنى والدلالة.. وإلا فإننا نحبس الإسلام في مضمون تاريخي واجتماعي ضيق، وعليه فالمرأة في المشهد السياسي الحالي يمكن أن تتولى الحكم؛ لأنه لم يعد هناك استئثار بالحكم، فرئاسة السلطة أصبحت تنفيذية، كما انتهت كذلك فكرة الفردية في الولاية الكبرى. المصدر: إسلام أون لاين بقلم صبحي مجاهد صحفي مصري