ماذا بعد بعد نجاح الثورات العربية في كل من تونس ومصر وإشتعالها في ليبيا واليمن وغيرها من البلدان العربية؟ وماهي إمكانية أن يتسلق الإنتهازيون تلك الثورات ويقطفون ثمارها بدلاً من أصحابها ؟هل يمكن أن تكون كل ثورة إصلاح ؟وهل يمكن أن يكون كل تغيير مطلوب ؟أسئلة تطرح نفسها بقوة في ظل واقع عربي آني وثورات ملتهبة يخشى عقلاء ونصحاء الأمة من أن تتحول إلى غير وجهتها وتضل طريقها . هذا مابحثه أ د. عبد الرحيم علي رئيس مجلس أمناء منتدى النهضة والتواصل الحضاري وتلاه معقباً د.جعفر شيخ إدريس المستشار العلمي للمنتدى وذلك في ندوة المجتمعات العربية وثورة التغيير التي نظمها المنتدى بالتعاون مع منتدى إقرا دائرة الفكر والثقافة بأمانة الطلاب بالمؤتمر الوطني أمس الأول بقاعة الشهيد الزبير. مفهوم الثورة كعادتها عندما تهب الرياح فهي لاتعرف الحدود القطرية أو الجغرافية وهذا أدق تعبير يمكن أن نصف به الثورات الحادثة الآن في البلدان العربية هكذا إستطرد أ.د.عبد الرحيم علي حديثه ثم أردف قائلاً : نجد أن أغلب الشعارات التي يستعملها الثوار تم إستخدامها منذ أمدٍ بعيد مثل عبارات التغيير والعدالة الإجتماعية موضحاً أن الفكر الحديث جعل كل تغيير مطلوب وإن كان للأسوأ وهذا منافٍ للفكر الإسلامي الذي تعني فيه الثورة الإصلاح ورفع الظلم والطغيان وأن كلمة تغيير وحدها لايمكن أن تصف ثورة فتغيير عاداتنا يتم بإستمرار إلى الأسوأ تأثراً بالثقافات الغربية ونفس الأمر يقال عن الثورة وكلمة ثورة في الفكر الأوروبي تعني عند المحافظين نهجاً سيئاً قيما تمثل لدى الشباب الإنطلاق والإنعتاق من الظلم ونجد أن العرب أخذوا المصطلح وجعلوا كل عمل جزري ثورة ويضيف د. عبد الرحيم : يجب على العرب أن يفكروا في تلك الأشياء الوافدة وأن لايقوموا بنقلها إلى داخل مجتمعاتهم دون تفكير فيها والثورات لاتعني دائماً انه سينجم عنها إصلاح، وفي تحليل للظروف التي قامت فيها تلك الثورات يبين د.عبدالرحيم إلى أن ثورة تونس إنطلقت من خارج العاصمة ومن قبل أناس لاعلاقة لهم بالسياسة وليست لديهم أجندة فكل ماحدث كان إحتجاج على حادث كما حدث في تونس مثلاً وهو إحراق شاب لنفسه وماترتب عليه من أحداث أعقبته وقد غذّت تلك الثورات الثارات الموجودة على النظام وحالة غضب مكتوم ومظالم إقتصادية وشعور بعدم عدالة القانون ومثل ذلك نجده قد حدث في مصر فكانت الدوافع شبيهه إلى حد بين القطرين وفي مصر بات اليأس من العدالة واضحاً في الإنتخابات الأخيرة إلى درجة جعلت البعض يقول أن الإنتخابات قادت مصر للثورة وكذلك حادث مقتل الشاب من قبل الشرطة على خلفية التحقيقات في تفجير الكنيسة ملامح خاصة يقول د. عبد الرحيم أن من أكبر ماتتميز تلك الثورات هو عدم وجود تنظيم سياسي محرك لها وقد ساعد التعارف الإلكتروني على نجاحها إلى حدٍ كبير برغم أن هذا التعارف لايكون حقيقياً في أغلبه فيما لعبت قناة الجزيرة دوراً بارزاً في إنجاحها وبنسبة قد تصل إلى 50% بما كانت تقوم به من نشرٍلأخبار الإحتجاجات في المناطق المختلفة من تلك الأقطار الأمرالذي شكل حافزاً كبيراً للآخرين بالمناطق الأخرى ليقوموا بنفس الشيء وعن الباعث الأهم الذي حرك تلك الثورات يؤكد د.عبد الرحيم أن الإسلام هو الدافع الأول لرفض الظلم والطغيان في مجتمعاتنا العربية ونجد أن المسلمون الأفارقة عندما ذهبوا بهم إلى أمريكا أعادوهم مرة أخرى إلى قارتهم وأنشأوا لهم دولة جديدة وهي ليبريا بعد أن وجدوهم يتناقلون ألواح القرآن فيما بينهم فكان الخوف من قيامهم بالثورات في المستقبل الدافع الحقيقي وراء إعادتهم مؤسسات صنعت الثورات فيما يبدي ملاحظة أخرى عن تلك الثورات مفادها أن المؤسسات العميقة في المجتمع مثل المسجد والقبيلة كان لها دوراً فاعلاً في قيامها ودعمها مثل المسجد في مصر والقبيلة في ليبيا التي يثور أهلها بشدة هذه الأيام ويتساءل د.عبدالرحم علي عما إذا كان لتلك الثوات أهداف أم لا؟وهل إسقاط الانظمة هو الهدف الأوحد؟ وإذا عدنا إلى الوراء نجد أن الناس يظلوا مجتمعين حتى سقوط النظام ومن ثم تبدا الإختلافات والثورات التي تكون شعاراتها إرحل والشعب يريد إسقاط النظام تكون قصيرة المدى ولابد لتلك الثورات من أهداف وأن تدرك نوع النظام الذي تريده والعدالة التي تبتغيها مشيراً إلى أن مجتمعاتنا الإسلامية منقسمة على نفسها فيما يتعلق بالقيم والأهداف مبيناً أن المجتمع الأصلي زاخر بالقيم الإجتماعية إلا أن بعض تلك القيم بات محدود الأثر كالمسجد الذي أصبح محدود الأدوار وذلك لأن أئمة المساجد يجهلون مهامهم التي يجب عليهم القيام بها فيما ينافس هذه القيم الاصيلة قيم حديثة أكثر وضوحاً، لها مؤسساتها التي تدافع عنها مثل حقوق الإنسان وغيرها من الشعارات. من جانبه أبان د.جعفر شيخ إدريس أن الزعماء السياسين أيام الإستعمار البريطاني للسودان لم يجدوا مكانا يخاطبون فيه الناس إلا المسجد وهو نفس ماحدث الآن في مصر وليبيا وهذا الأمر سيلفت أنظار الغرب وسيعماون على إخضاعه للتجارب والبحوث فأن تنطلق الثورة من مكان تجمع ديني فهو أمرٌ لايحدث في الغرب، فيما ذكر د.جعفر أن هناك دوافع خُلقية تقف وراء تلك الثورات مبيناً أنه كان من الذين أوقدوا شرارة الثورة ضد عبود وبعد مضى عدة سنين أصيب بخيبة أمل كبيرة بعد ما إتضح أن لأمريكا دوراً كبيراً في إسقاط عبود بسبب إقتراب نظامه من حل مشكلة الجنوب. ويقول الأستاذ البدري علي محمد علي مدير عام إذاعة البصيرة في مداخلته أنه ليس بالضرورة أن تحدث الثورات ضد الظلم فقد حدثت من قبل ضد خليفتي المسلمين عثمان بن عفان علي بن أبي طلب رضي الله عنهما لكنه عاد وذكرعلى ضرورة ان يكون التغيير من الداخل والقيام بإصلاح كثير من الملامح ومن ثم الخروج للمجتمع مشدداً على ضرورة إتاحة الحرية للشباب للنقاش والتحاور وإعطاء فرصة للرأي والرأي الآخر.