"منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    عثمان ميرغني يكتب: «منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود    مجلس السيادةينفي ما يتم تداوله حول مراجعة الجنسية السودانية    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقالات: جذور العنصرية فى الفكر الغربى

إن الذي يريد سبر أغوار الفكر الغربي ومكونات ثقافاته ، لا بد له أن يغوص في أعماق التطور التاريخي لفكر المجتمعات الغربية والذي نتجت عنه مواصفات العقلية الحاضرة للرجل الأبيض وحضارته. فكما ذكر فوكوياما في كتابه " نهاية التاريخ " بأن الفكر السياسي الغربي الحاضر يرجع في جذوره إلى فكر الفلاسفة القدامى أمثال هوب وهيوم فإن الفكر الاجتماعي والإنساني للحضارة الغربية ترجع جذوره إلى دارون وفترة ما يسمى بالاستكشافات الجغرافية وأدب الرحلات التي عمت أوربا وصورت الأجناس الأخرى التي تعيش حياة مختلفة عن الحياة الأوربية في كتب ومقالات توضح بدون شك استبداد الرجل الأبيض وعنجهيته.
إن تاريخ الفكر الغربي المتعلق ب " الجنس البشري ومعناه " في جميع حقول المعرفة الغربية من فلسفة وتاريخ ودراسات دينية قد توقف وقفة هادئة واتخذ طريقاً مغايراً بعد نشر دارون لكتابه " أصل المخلوقات " وقد كان ذلك في عام 1856م. يقول فيليب كارتن: إن الصورة التي طبعت في أذهان الأوربيين عن أفريقيا وسكانها بدأت تتبلور منذ الرحلة الأولى التي قام بها الرجل الأبيض إلى شواطئ غرب أفريقيا. وكان ذلك في القرن الخامس عشر. هذا وقد ترسبت هذه الصورة بشكل ثابت عندما بدأت تجارة الرقيق في القرن السابع عشر. لقد تبع استغلال فكري وعقائدي واقتصادي مارسه الرجل الأبيض على مر السنين وحتى اليوم بدون انقطاع ، وقد أخذ هذا الاستغلال أشكالاً متعددة. مرة يطفو إلى السطح بشكل سافر ، وباستمرار يكون كامناً تحت مسرح الحياة وفي ضمير الرجل الأبيض. وعادة مايكون المحرك الفعلي لهذا الاستغلال هو الرجل الأبيض نفسه، لذا ظهرت التفرقة العنصرية السافرة في الفكر الغربي جميعه وبالأخص في الفكرين الفرنسي والبريطاني. ونظراً لأن الفكر البريطاني له قصبة السبق ونصيب الأسد من هذا التعصب العنصري والاضطهاد البشري للرجل الأسود وأن الفكر الأمريكي هو وليده الشرعي فإننا سنركز في هذه العجالة على ما تمخض عنه هذا الفكر في جميع مجالاته وخاصة الفلسفية والدينية والتاريخية والأنثرويولوجية.
أكذوبة "اكتشاف أفريقيا"
على الرغم من وصول الرجل الأبيض إلى شواطئ غرب أفريقيا مبكراً إلا أنه لم يكن له علم كامل بما يدور داخل القارة الأفريقية والتي كانت آنذاك عامرة بممالك وسلطنات ذات عمارة وتجارة تصل من تمبكتو إلى القاهرة إلى الفاشر في غرب جمهورية السودان وإلى فاس في المغرب. وقد كتب الجغرافيون العرب أمثال أبن حوقل والبكري عن تلك الممالك ومواطنيها إلا أن ذلك كله لم يصل إلى الغرب، وكانت أول الأخبار التي وصلتهم هو كتاب روجر لمؤلفه الإدريسي (1100-1166م) والذي ألفه في عام 1154م لروجر ملك صقلية. وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللغة اللاتينية في عام 1619م، وتبع ذلك ما كتبه ليو أفريقيا وهو مغربي الأصل ترحل على نطاق واسع في غرب أفريقيا. على ضوء ذلك بدأ الأوربيون رحلاتهم وما يسمونه " اكتشاف أفريقيا " وكأن أفريقيا كانت مجهولة الموقع والهوية وليس لها اتصال بالعالم الخارجي، وقد ازدهرت هذه الرحلات وأصبح لها من يمولها مادياً ويشجعها أكاديميا. وكان نتاج ذلك وصف الحياة الاجتماعية في أفريقيا والتي تمثلت في اهتمامات الرحالة وإبرازهم وتصوريهم لكل ما هو غريب عن الأفارقة وعاداتهم وثقافتهم وتصوير ذلك إلى القارئ الأوربي. مثال لذلك الكتابة عن الاحتفالات وطرقها والقربان البشري وتعدد الزوجات، وهي أشياء مخالفة للثقافة الأوربية ومشجعة على القراءة والاطلاع بالنسبة للأروبي. أما من الناحية الدينية والديانة الأفريقية من حيث هي فقد اعتبرها الاوربيون خطأ ديني نتج عن عدم وصول الدين المسيحي إلى هذه البقعة من الأرض الأمر الذي شجع مستقبلاً المبشرين البيض إلى اجتياج القارة الأفريقية مبشرين ومستغلين ومستعمرين.
كان أول من كتب عن تاريخ الرجل الأسود الأفريقي هو روبرت نورس في كتابه " مذكرات ملك بوسا أهادي " وهو الكتاب الذي ضمنه لاحقاً أرشييالد دالزيل في كتابه " تاريخ داهومي " وقد وصف أرشييالد في كتابه هذا الداهومين وصفا وحشيا مبرراً بذلك تجارة الرقيق في تلك المنطقة من أفريقيا ومعتبراً أن استرقاقهم رحمة لهم حيث سوف يساعدهم ذلك في تنسم الحضارة واعتناق المسيحية وبالتلى يردهم الى مصاف الانسانية. وهنالك كتاب آخرون قرروا بأن الأفريقيين في داخل القارة أكثر وحشية من إخوانهم الداهومين الذين يقيمون على الساحل. كل ذلك لكي يعللوا مشروعية تجارة الرقيق التي كانت تزودهم بما يحتاجون إليه من رجال في الغالب يؤتى بهم من داخل القارة بعد أن نفد البشر في الأطراف الساحلي.
أما الفكر الديني فحدث ولا حرج، كان يظن المبشرون من البيض بأن هنالك ما يعرف ببرستر جون المسيحي الديانة والذي يقطن داخل القارة الأفريقية ويحوز على ملك كبير. هذه الأسطورة أخيراً تركزت على أثيوبيا. وعلى الرغم من أن جيمس بروس دحض هذه الأسطورة بعد رحلته التي قام بها إلى الحبشة والسودان إلا أننا ما نزال نرى أن لإثيوبيا مكاناً مرموقاً في الذهن الغربي الباطني، وقد سجل بروس " اكتشافاته " هذه في كتابه " رحلات لاكتشاف منابع النيل ".
العنصرية في كتابات الغربيين
إن كلمة عنصرية Racism لم تظهر بصورة واضحة في كتابات الغرب حتى تكوين الحزب الديمقراطي الوطني في ألمانيا حيث أعلن هذا الحزب عنصريته، إلا أن كتابات الغرب المتعلقة بالأجناس الأخرى من أفريقيين وعرب كانت عنصرية في مضمونها ومحتواها فعلى الرغم من أن الفكر الغربي حاول الاعتماد على الجانب البرهاني في تجارته المعرفية إلا أنه ولاعتبارات أخرى غير برهانيه وغير علمية قرن الأخلاق والمقدرة الذكائية والتقدم البشري، قرن كل ذلك بلون البشرة والعنصر البشرى ... على هذا النمط اعتبروا أن لون البشرة للرجل الأفريقي ونوعية شعره وشكله كلها أشياء مقترنة بنمط الحياة التي يحياها الأفريقي في أفريقيا وكذلك مسوق إلى استرقاقه وجلبه إلى أمريكا، ونجد هذه الاستنتاجات " العلمية " قد انحصرت في كتابات مفكري غرب أوربا ولم يشاركهم في ذلك الأسبان والبرتغاليين إلى حد كبير. ويرجع ذلك لأن بول الثالث قد أصدر منشوره الديني الذي يدين فيه من يعتبر أن الهنود الحمر الأمريكيين لم يصلوا إلى مرحلة الرشد أو أنهم غير مؤهلين لتلقي الدين المسيحي الحقيقي وقد لحق بطريقة غير مباشرة ذلك إلى الرجل الأفريقى فسلم من تلك النعوت.
بعد صدور كتاب " تاريخ داهومي " الآنف ذكره بدأت الكتابات العنصرية بوجهها السافر. وأول ما بدأت في كتابات إدوارد لونج وهو بريطاني الجنسية كان يسكن جزر الإنديز، ورغم عدم زيارة لونج لأفريقيا ولتأييده المطلق لتجارة الرقيق واسترقاق الرجل الأسود، فقد أدخل لأول مرة في كتاباته مصطلح " مكانة الزنج في الطبيعة " وذلك في كتابه " تاريخ جمايكا " الذي نشره في عام 1774م. هذا المصطلح بعد ذلك عم جميع كتب علماء الأحياء والنباتات الذين كان هدفهم الأساسي هو فحص وتقسيم مكونات الطبيعة الحية في شكل ترتيبي. وهكذا وبالخطأ صارت التقسيمات البشرية إحدى الفروع العلمية التي تركزت عليها كتاباتهم وبالتالي وجدوا في مصطلح لونج خير معين عندما تحدثوا عن هذه التقسيمات البشرية. وقد كان لكتاب ليناس " نظم الطبيعة " قصبة السبق في تقسيم العنصر البشري، تبع ذلك الكاتب لفجوي في كتابه الشهير " السلسلة العظمة للأحياء ". داخل هذه التقسيمات ولاعتبارات غي علمية كذلك، وضع الرجل الأفريقي في مؤخرة السلم الحضاري البشري، بينما احتل الرجل الأبيض أعلى مراتب سلم الحضارة البشرية متميزاً على أقرانه من بني البشر الآخرين واصفاً نفسه بكل صفات الكمال، فهو العاقل صاحب الدين القيم والحضارة الراقية، أما الرجل الأفريقي فهو يعيش في المرحلة الوحشية من مراحل الحضارة وعليه مشوار طويل حتى يصل إلى مرحلة التمدن. لذا فإن على الرجل الأبيض واجبا دينيا وإنسانيا يتمثل في أخذ هذا الوحش إلى مرافئ الحضارة البشرية.
لقد كان لفلاسفة الغرب الريادة في نقل الحضارة الغربية من عهود التخلف والانحطاط في القرون الوسطى إلى عصر النهضة في العصر الحديث وهي النهضة التي بدأت أولاً في القرن الرابع عشر في إيطاليا ومن ثم انتشرت إلى باقي الدول الأوربية. وكان نتاج هذه النهضة هو عهد التنوير في القرن الثامن عشر وكذلك الاستعمار واستغلال الشعوب الأخرى في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، رغم هذا الإنجاز المادي والفكري إلا أن الفلاسفة أنفسهم قد مارسوا ما مارسه أقرانهم علماء الطبيعة والدين. فإننا نجد فلاسفة أمثال فولتير وروسوا ناديا في كتاباتهم إلى الحرية والمساواة نجدهما يعتبران الرجل الأسود طبيعياً أحط من الرجل الأبيض في مقدرته العقلية. في هذا يقول ديفيد هيوم الفيلسوف البريطاني الشهير بالحرف الواحد: ليس هنالك أي أمة متمدنة من أي لون غير الأمة البيضاء، وليس هنالك أي شخص مرموق في مجال العمل أو التفكير (غير الرجل الأبيض) ليس هنالك مخترعين عباقرة بينهم (الأمة الأفريقية) وليس هنالك فن أو علوم ... ان مثل هذا التناسق والاختلاف المستمر لم يكن يحدث في بلاد وأجيال شتى، إذا لم تكن الطبيعة قد أحدثت اختلافاً أصيلاً بين هذا الجنس المهذب من الرجال (وغيره من البشر) ... (العبارات بين القوسين من عند الكاتب). وديفيد هيوم يعلل أن ما حبي الله به الجنس الأبيض دليل على تفوقه على الأجناس الأخرى.
فى مجال الدراسات الدينية لم يسلم رجال الدين ومفكري المسيحية مما وقع فيه أقرانهم من رجالات الفكر الطبيعي والفلسفي ، فعلي الرغم من أن الاستعمار للقارة الأفريقية كان سابقاً للتبشير إلا أن المبشرين لم يروا شيئاً منافياً لتعاليم المسيحية في استرقاق الرجل الأسود وتكبيله بسلاسل وأخذه من موطنه إلى الأمريكتين. بل اعتبر بعضهم بأن هذه رحمة من الله بها على الرجل الأسود حيث أن الاسترقاق سوف ينتشله من أوحال الوثنية والديانات الأخرى إلى عالم الحضارة والديانة المسيحية السمحة ولعلم القارئ فأن هنالك الكثير من المسلمين الأفارقة الذين استرقوا وبيعوا في أسواق النخاسة في ولاية فرجنيا. وحديثاً عثر أحد الكتاب الأمريكيين المتهمين بتاريخ أفريقيا في مدينة أطلانتا بولاية جورجيا على أوراق مكتوبة باللغة العربية ضمن مجموعة ترجع إلى عهد تجارة الرقيق وعند فحصها تبين له أنها أوراق من كتاب " الرسالة للقيروان " وهو من الكتب المشهورة في غرب أفريقيا وقد جلبها أحد الأفارقة معه. لقد أعتقد موريو دي موبيرتيس وهو مفكر مسيحي بأن الخلق اشتمل على جميع الأجناس المختلفة والتي ظهرت في وقت متأخر. هذه الاختلافات البشرية كانت مخبأة في أدم وحواء على الرغم من أن أدم وحواء كانا من الجنس الأبيض، وعندما ظهر الجنس الزنجي اضطر الجنس العادي من بني البشر إلى طرده إلى أفريقيا ، تقززا بالطبع من لونه، وهنالك واصل الجنس الزنجي توالده. هذا ويتوقع فى المستقبل أن يتغير هذا الجنس إلى أبيض فيعود إلى حظيرة الأجناس العادية. هذا مثال واحد من الفكر الديني المسيحي وإن كان هنالك كتابات كثيرة بين الكتاب المسيحيين من الذين يؤمنون بوحدة الخلق Monogenisis إلى الذين يؤمنون بتعدد الخلق Polygenesis إلا أنهم جميعهم يتفقون في أن الجنس الأسود طبيعياً أكثر تخلفاً من الجنس الأبيض. وأخيراً يرجح البعض بأن اللون الأسود هو نتيجة اللعنة التي أصابت حام ابن نوح.
العنصرية في أمريكا
بالنسبة إلى أمريكا - والتي أصبحت مؤخراً معقلاً للتفرقة العنصرية والاسترقاق - فإن كتابات إدوارد لونج وجدت رواجاً بين العلماء الأمريكيين وقد نشرت آراء لونج عن الجنس البشري ومصطلحة (موقع الزنج في الطبيعة) في مجلة كولومبيا في عام 1788م مما جعل ذلك عاملاً مساعداً في انتشار التفرقة العنصرية ونموها في المجتمع الأمريكي كما وضح الكاتب في مقاله: (المناقشة الأمريكية لمكانة الجنس الزنجي في الطبيعة). ويؤكد فليب كيرتن بأن استنتاجات لونج قد استعملت مراراً وتكراراً لمدة ثلاثة أرباع قرن بواسطة بعض العلماء البريطانيين والأمريكيين ، وقد كونت هذه حجة جاهزة لكل من يريد أن يبرهن الحقيقة القائلة بتدني درجة الجنس الأفريقي الأسود في سلم البشرية. أضف إلى ذلك كله تجارة الرقيق التي بدأت في القرن الخامس عشر واستمرت لمدة تتراوح بين القرنين من الزمان. فعندما استعمر الرجل الأبيض أمريكا أسترق الرجل الأسباني - وهو السابق إلى هنا - أعداداً من الهنود الأمريكيين - السكان الأصليين لأمريكا - واستخدموهم في الحقول الزراعية والمناجم ولكن انتابت الرجل الهندي الامريكي الأمراض التي نقلها إليه الرجل الأبيض فأصبحوا يموتون بأعداد كبيرة في تلك المزارع والمناجم مما دعا شارلس الأول ملك أسبانيا (شارلس الإمبراطور الخامس) إلى إصدار مرسوم يطلب فيه استيراد أعداد كبيرة من الرجال الأفريقيين ليحلوا محل الهنود الأمريكيين وبذا نجا الهنود وحلت لعنة الاسترقاق في أمريكا على الأفريقيين.
في عام 1567م وصلت أول دفعة من الأفارقة إلى جزر الإنديز ثم بعدها إلى أمريكا الشمالية حيث ازدهرت زراعة قصب السكر. وأول شحنة من الافارقة وصلت إلى أمريكا كانت على متن سفينة هولندية وصلت إلى شواطئ ولاية فرجينيا في عام 1619م وكانت فرجينيا آنذاك إحدى المستعمرات البريطانية ذات الشهرة بالثروة الصادرة عن مزارع التبغ وقصب السكر ، وهي المحاصيل المدره للارباح ، وأدخل لاحقاً القطن كمحصول نقدي في الولايات الجنوبية. هكذا بدأ ما يسمى بالمثلث التجاري حيث كانت السفينة تبحر من الدول الأوربية حاملة بعض البضائع إلى الشواطئ الأفريقية وتحمل بعد ذلك بالرجال الأفارقة إلى أمريكا لبيعهم هناك ثم تحمل هذه السفن بالبضائع الأمريكية من سكر وتبغ وقطن عائدة إلى أروبا. نتيجة لذلك كان هنالك ما لا يقل عن ألفين أفريقي يرزح تحت نيران الاسترقاق في ولاية فرجينيا وحدها وما جاء منتصف القرن التاسع عشر إلا وكان هنالك ما لا يقل عن أربعة ملايين أفريقي مستعبد يحرثون أرض الولايات المتحدة ويجنون محصولاتها لينعم بذلك الرجل الأبيض الأمريكي الأوربي.
استمرار العنصرية في الحاضر
هذه هي خلفيات المجتمع الأمريكي والبناية الفكرية له. فهل انتهى كل ذلك اليوم وتركه الرجل الأبيض وراء ظهره؟ يقول أندريو هاكر- وهو رجل أبيض وبروفيسور في جامعة نيويورك - في كتابه الذي أحدث ضجة في المجتمع الأمريكي عند صدوره: "أمتان: سوداء وبيضاء منفصلتان متنافرتان غير متساويتين". يقول هاكر: (منذ فترة الاسترقاق وحتى اليوم هذه الأمة - ويعني أمريكا - لم تفتح أبوابها بقدر كاف للسود بأن يكونوا مواطنين كاملين)، واستطرد يقول: (نعم لقد حدث تقدم ولكن معه جاءت تطلعات لم تنفذ. ويؤكد هاكر بأن الهاجس الذي يعاود المجتمع الأمريكي الأبيض هو أحد ضروب الميكروب الأوربي والذي ترجع جذوره ‘ لي عهد الاسترقاق. ويعتقد هاكر بأن استمرار اعتقاد البيض في عظمة جنسهم الأبيض يرجع إلى العادة ولأن ذلك يخدم غرضاً اقتصادياً وسياسياً.
هل هنالك مساواة وعدالة في تقسيم الثروة بين البيض والسود في المجتمع الأمريكي؟. في محاولة إحصائية حاول هاكر أن يوضح تباين التحصيل المادي بين الرجل الأبيض والرجل الأسود في مجتمع اليوم الأمريكي. يقول هاكر أنه ليس بالصدفة القدرية أو نتائج طبيعية في مجتمع ذي سوق حرة- وفي الدخل الفردي لعام 1990م - أن نجد العائلة السوداء تحصل على 580 دولاراً من كل ألف دولار تحصل عليه العائلة البيضاء. وعلي الرغم من أن المحللين يرجعون ذلك إلى أن نصيب العائلة السوداء من التعليم أقل منه بالنسبة للعائلة البيضاء فهاكر يسوق مثالاً أخراً فبين أن الرجل الأسود المحامي بين عمر 30 و45 سنة وله نفس النسبة من التعليم يحصل على 790 دولاراً عندما يحصل نظيره الأبيض على ألف دولار بينما المحامية السوداء في نفس العمر تحصل على 930 دولاراً من كل ألف دولار تحصل عليها نظيرتها البيضاء. ويعلل هاكر ازدحام السجون بالرجل الأسود - حوالي 45% من نازلي السجون من السود- بأن ذلك نتيجة يأس الرجل الأسود من النظام المحيط به وهذا اليأس مصدره الأثر الهدام والصادر من الرجل الأبيض. ويسوق في معرض حديثه تجربة أجراها على بعض تلاميذه من الطلاب البيض حيث خيرهم في أمرين: أن يكون مع الواحد منهم خمسمائة دولاراً فتسلب منه بواسطة رجل أبيض أو أن تكون معه عشرون دولاراً فتسلب منه بواسطة رجل أسود، وقد اختاروا أن يسلبوا بواسطة الرجل الأبيض.
ويتسأل هاكر : لماذا ؟ ويجيب علي ذلك: أن هناك خوفاً وسط البيض من الجريمة التي ترتكب بواسطة الرجل الأسود فهو لن يأخذ مال الأبيض ثم يترك سبيله ولكنه بالإضافة إلى أخذ ماله فإنه ربما يأخذ دقيقة أو ثانية إضافية ليأخذ لنفسه ثائراً لبني جنسه مما ألحق بهم الرجل الأبيض. هذه هي مخاوف الرجل الأبيض، وهذا ما يفعله الرجل الأسود كلما حانت له الفرصة. ويزيل هاكر كتابه بإحصائيات توضح المجتمع الأمريكي وتوضح التباين والفوارق الظاهرة بين المجتمعين أو الأمتين السوداء والبيضاء وعدم المساواة بينهما، فبالإضافة إلى أن 45% من نزلاء السجون من السود- لاحظ أن السود يكونون سدس المجتمع الأمريكي فقط- فإن هنالك 59.7% من العوائل السوداء تفتقر إلى الأبوية وتدار بواسطة الأمهات فقط.
أما في مجال توزيع الثروة فإن هنالك 21.4% من العوائل السوداء تعتبر من الفقراء في الشمال الشرقي لأمريكا مقارنة ب 4.8% من العوائل البيضاء وفي وسط أمريكا هنالك 33.7% من العوائل السوداء فقيرة مقارنة ب 4.6% من العوائل البيضاء، وفي الجنوب حوالي 28.4% من العوائل السوداء فقيرة مقارنة ب 7.3% من العوائل البيضاء ، وفي غرب أمريكا هنالك 22.9% من العوائل السوداء تعتبر فقيرة مقارنة ب 5.7% من العوائل البيضاء.
وفي مجال الأطفال فان 51% من الاطفال السود يعيشون مع أمهاتهم فقط مقارنة مع 14.2% من الأطفال البيض، كما أن 35.3% من الأطفال السود أمهاتهم لم يتزوجن قط مقارنة ب 2.69% من الأطفال البيض. هذا ويقدر عدد الرجال السود غير العاملين بين سن 25 و34 سنة بحوالي 4% من حاملي الشهادات الجامعية، و 12.9% من حاملي الشهادات الثانوية، و25.3% من الذين لم يكملوا المرحلة الثانوية. (لا تنسى هذه الاحصائيات كانت فى عام 1990 ). والنظرة الفاحصة لهذه الإحصائيات جميعها توضح ما يمكن أن يتوقعه علماء الاجتماع من انتشار للجريمة وتعاطي للمخدرات وإفشاء للفاحشة. فرغم أن المجتمع الأمريكي قد تقدم حتى وصل القمر واخيرا الى المريخ ،إلا أن الناحية الاجتماعية وأحلامها لم تكن هم المجتمع الأمريكي الأبيض والذي يحرص على أن لا يشاركه أحد فيما هو عليه من ثروة وجاه.
الملونون في الغرب
هنالك تنسأل: لماذا يذهب الملونين للاستيطان في كل من أوربا وكندا وأمريكا؟ أقول: من الذي دعا الرجل الأبيض إلى استعمار أفريقيا ونهب ثرواتها واسترقاق أحرارها؟ والشيء الأخر أن كندا وأمريكا لم تكونا في يوم من الأيام الموطن الأصلي للرجل الأبيض وقد اغتصبهما الرجل الأبيض بعد أن سام أهلها الهنود الأمريكيين سوء العذاب، فقد قتل قبائل الشيريكي والنافاهو والشايان والسو وغيرها من القبائل الهندية وشردهم وأخيراً احتجز ما تبقى منهم في مناطق قاحلة مقفولة وأطلق عليها Indian Reservation
أما الملونين والعرب الذين يسكنون البلاد الأوربية فقد جلبهم الرجل الأبيض أولاً إلى بلاده بغرض استغلالهم وتسخيرهم في الأعمال اليدوية. واليوم وبعد أن غربت شمس الإمبراطوريات الغربية- أصبحت هذه المجتمعات مسببة للقلق في كل من فرنسا وألمانيا وإنجلترا وإيطاليا مثلما أصبحت المجتمعات السوداء مصدراً للقلق فى المجتمعات الأمريكية البيضاء.
فهذه المجتمعات جميعها هي مخلفات الاستعمار والاسترقاق الذي مارسه الرجل الأبيض، وبعد أن سقط هذا الاستعمار واستنفدت هذه المجتمعات الغرض الذي استحدثت من أجله لفظهم المجتمع الأوربي والأمريكي الأبيض وكان من واجب الرجل الأبيض تحمل وزره إلى نهايته كما تحمله بالنسبة لليهود واليابانيين.
مكروب البياض النفسي
يقول هاكر: ( إن البياض اللوني هو حالة مثل المكروب النفسي إنه يجعل البيض يتعاملون مع السود من منطلق الأعلى إلى الأسفل). أقول فهل يا ترى يستطيع أي رئيس أمريكي أن يخلع لونه الأبيض ويرتدي لوناً مثل لون قوس قزح يمكن بواسطته التغاضي عن الماضي الأليم والعمل على اقتلاع جذور التفرقة العنصرية الأمريكية؟. لا أحد يستطيع أن يتنبأ بذلك، ولكن التاريخ السياسي لأمريكا يوضح بأن ذلك لم يحدث ولن يحدث لأن اي رئيس يأتي إلى البيت الأبيض الأمريكي عليه في المقام الأول مراعاة الجنس الأبيض ومنظماته المالية والسياسية وإلا فإنه لن يفوز في المرة القادمة، وإن لم يترشح فإن حزبه سيكون خاسراً بدون شك. وكل رئيس يأتي لن يكون أكثر من ترس في هذه العجلة الدائرة والتي تسمى السياسة الأمريكية.
مصادر البحث:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.