"أصبح فض النزاعات علما غربيا يتم فرضه على دول العالم الثالث، وعندما كنت مسؤولا في مجلس التعايش الديني كانت هناك عدد من المنظمات الأجنبية تطلب إقامة ورش في ذات الشأن باللغة الإنجليزية وتترجم عقب ذلك إلى العربية، فلم ترق لي المسألة حينها ومن هنا برزت المحاولة لمنهجية رؤيتنا الإسلامية لفض النزاعات".. هكذا ابتدر أ.د. الطيب زين العابدين المفكر الإسلامي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم حديثه في الحلقة التفاكرية(فض النزاعات من وجهة نظر إسلامية)التي نظمها منتدى النهضة والتواصل الحضاري بتاريخ الأربعاء 16/مايو2012م بقاعة مركز الشهيد الزبير للمؤتمرات. ومضى بروفيسور زين العابدين في حديثه قائلاً: "إن الرسول صلى الله عليه وسلم أول من أسس دولة في المنطقة العربية بناءا على وثيقة المدينة المكتوبة التي كفلت للمسلمين ولليهود الذين يعيشون معهم حقوقهم كاملة، وعندما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى بدأ الصحابة يبحثون عن خليفة له قبل أن يدفن وهو أمرٌ غريب إلا أن هذا حدث لأنهم أدركوا أن ماقاموا به مهم لدينهم ودنياهم" ويضيف: "هناك قيم ومبادئ في الإسلام القصد منها ألا يقع نزاع أو على الأقل يقلل هذا النزاع في المجتمع، منها سعي الإسلام الحثيث على ألا تستحوذ الأشياء المادية على حياة الناس وأن الأصل في السلطة أن يكلف بها الإنسان لا أن يسعى إليها، وأن يكون هناك رضا عن الحاكم، وأن مجال المنافسة المرغوبة في الإسلام هي التقوى وأن الإسلام يذم التنازع ويعتبره أساساً للفشل وينهى عن الظلم والتعدي والسخرية ويطالب بالوفاء بالعهود والتناصح بين الناس والتثبت من صحة الأخبار " مضيفاً أنه في حال وقوع النزاعات فإن الإسلام لديه من المبادئ ما تمكنه من احتوائها وتتمثل في أن الجريمة أو الخطأ مسؤولية الفرد ولا يمتد أثرهما إلى الأسرة أو القبيلة، وتشجيعه على العفو والصفح مع إقراره بحق الرد بالمثل مع تبيانه أن العفو أفضل وهو العفو الذي يكون طلباً للغفران ولا يشترط أن يرتبط بمن يستحقه، كما يمنع الإسلام التطرف في الخصومة. وعن منهج الإسلام في فض النزاعات يؤكد بروفسور زين العابدين أنه ينبغي على الناس أولاً اللجوء إلى الحوار بنية صادقة وجادة، والمدافعة تبدأ بالتي هي أحسن (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الآية.. ثم التحكيم وهو أشبه بالمسؤولية الأهلية وليس القضائية ثم اللجوء إلى القضاء العادل (فلاوربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)الآية.. وآخيراً استعمال القوة التي لم تستبعد تماماً ولكن يجب أن تقدر بقدرها فالقتال غير مرغوب في الإسلام إلا في حالة المدافعة. وتعرض الطيب إلى ماقد يحدث بين المسلمين من نزاعات مشيراً إلى أن المطلوب أولاً من السلطة- كما أوضح القرآن الكريم - الإصلاح بين الفئتين فإن بغت إحداهما على الأخرى تقاتل الفئة الباغية حتى تكف عن ذلك فإن فعلت ذلك يحرم قتالها والصلح له مقياس وهو العدل ويمكن ان يقاس ذلك على غير المسلمين. واعتبر بروفسور الطيب زين العابدين أن السلم والحرية مفتاح النصر للدين ويجعلان المجتمعات تستجيب أكثر من الحرب مبيناً أن التفاوض والتحاور يحتاج إلى مهارات ووضوح رؤية للهدف المطلوب (استراتيجية ) وإلى الثقة في النفس وفي القضية التي يدافع عنها كما يحتاج التفاوض إلى الصدق مع الخصم وللأسف أصبحت تلك القيمة مفقودة الآن وأصبح التفاوض عبارة عن "أونطة وفهلوة وغش" والصدق يكون على إطلاقه حتى مع الكفار ويكون الحوار بالحكمة ويجب تجنب الاستفزاز وأن يكون لدى المرء مهارة احترام الطرف الآخر والاستماع إليه وتجلي وجهة نظره والصبر على مجادلة الخصم دون انفعال وتوضيح أن الخصم يكسب من هذا الاتفاق.