من تابع أول أمس الجمعة ما يحدث في السودان من خلال موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) والمواقع الأخرى ربما ظن أن هناك حرباً حقيقية تدور في السودان بين النظام الحاكم وخصومه. لكن سؤالاً أو سؤالين غالباً ما يلحان في طرح نفسيهما على المتابعين. والسؤال يستلزم إجابة. مثلاً : هل يمكن أن تكون هناك حرباً من دون ضحايا. إذ لم تشر التقارير الصحفية منذ بداية الأحداث إلى وقوع قتلى. وأشار خبر نشر أول أمس الجمعة إلى وقوع جرحى في اصطدام المتظاهرين بالشرطة في مظاهرة (لحس الكوع). لكن انعكاس الأخبار على القنوات كان أقل من العادي بقليل. فالخبر يذاع في النشرة. وعندما يحين موعد النشرة التالية لا يبقى الخبر متصدراً إلا إذا ترتبت عليه ردود أفعال (مناسبة)، أما إذا لم يصدر عنه ردود أفعال فإما أن يوقف بثه أو يتأخر في ترتيب إذاعته. هذا بالطبع إذا كانت القناة الناقلة للخبر قناة اخبارية محترفة في متابعة الأخبار كما هي من دون تكبير أو تصغير، وليس لها أجندة خاصة. أما إذا كانت متمترسة خلف أجندة خاصة فهي حينئذ تفعل ما تشاء. وهذا نعرفه جميعاً. هذا على كل حال جانب. هناك الجانب الهام والأخطر. العالم ما عاد يتقبل مقابلة المظاهرات بأي وسيلة من وسائل القمع. فالمظاهرة وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي. لكن لكي تكون وسيلة ناجحة ومقبولة ينبغي أن تحصل على إذن مسبق من الأجهزة المناط بها حفظ النظام. فالمظاهرة قد تنحرف إلى التخريب ولذلك ينبغي من باب التحوط أن تكون لك الأجهزة على علم بخروجها وبخط سيرها. لكن في المقابل ينبغي أن ييسر الحصول على الإذن الخاص بالسماح لها بالخروج. هذه السلاسة في التعامل تعترضها عدة عقبات. فأجهزة حفظ الأمن تتخوف دائماً من انحراف المظاهرات للتخريب. ولذلك تماطل في إعطائها الآن. ولذلك غالباً ما يسبق الفعل السلبي ورد الفعل السلبي أي محاولات ايجابية للتعامل السلس بين المتظاهرين وأجهزة حفظ الأمن. هذه (النقطة) يجب أن تعالج بشكل فوري حتى ترتب المظاهرات في جو ايجابي لا تشوبه (روح العدائيات) المتبادلة. منظمو المظاهرات لا يجب أن ينتابهم الشعور بالدونية أو الإذلال، بمعنى ألا يفهموا أن القصد بالحصول على الإذن بالمظاهرة مقصود به إذلالهم. وفي المقابل يتبغي أن يتم الحصول على الإذن بالتظاهر كإجراء مكتبي عادي .. لا أكثر. للأسف تتم المظاهرات الآن في جو عدائي متبادل، ليس بقصد إعلان الرأي وحسب، وإنما يكون إعلان الرأي كهدف أصغر ويختفي وراءه هدف أكبر هو اسقاط النظام كما أعلن ذلك في مظاهرات الجمعة. ليس هناك جماعة شعبية أو حكم في السودان لم يتعرض للإهانات الشعبية أو إهانات الحكم. لكن تقلبات الحكم وعداواته تشير إلى حقيقة لا شك فيها هي أن السودانيين لا يتحملون بعضهم البعض. إذا تآلفوا تآلفوا بعاطفة أقرب للعاطفة المرضية، وإذا اختلفوا اختلفوا بعصبية أشد. وبعد .. مصير السودان معلق بمصير هذه المظاهرات. إذا نجحت سيتعلق بها مصير الحكم الحالي، وإذا ضعفت قوي الحكم. بصراحة هذه الاحتجاجات تواجهها معضلتان : الأولى إنها الآن ضعيفة، لكن البداية الضعيفة لست علة كبيرة. والثانية أنها اتجهت إلى التخريب منذ بدايتها. والخارج يراقب ولا أظنه يتعاطف مع حركة فوضوية تخريبية. لكن مثل هذه الحركات لا تستغني عن الدعم الخارجي.